خرج إليهم ملك الخزر إذا عجز من هنالك من رجاله المرتبين عن دفعهم فمنعهم العبور على ذلك الجمد، ودفع عن مملكته، وأما في الصيف فلا سبيل للترك إلى العبور عليه، فلما أن وردت مراكب الروس إلى رجال الخزر المرتبين على فم الخليج، راسلوا ملك الخزر في أن يجتازوا بلاده وينحدروا في نهره فيدخلوا بحر جرجان وطبرستان وغيرهما من الأعاجم، على أن يعطوه النصف مما يغنمون من هنالك من الأمم على ذلك البحر، فأباحهم ذلك، فدخلوا الخليج واتصلوا بمصب النهر وصاروا مصعدين في تلك الشعبة من الماء حتى وصلوا نهر الخزر وانحدروا فيه إلى مدينة إثل واجتازوا بها وانتهوا إلى النهر ومصبه إلى بحر الخزر ومصب النهر إلى مدينة إثل، وهو نهر عظيم وماء كثير، فانتشرت مراكب الروس في هذا البحر وطرحت سراياها إلى الجبل والديلم وبلاد طبرستان وسواحل جرجان وبلاد النفاطة وبحر بلاد أذربيجان، فسفكت الروس الدماء واستباحت النسوان والولدان وغنمت أموالاً وشنت الغارات وأحرقت، فضج من حول هذا البحر من الأمم لأنهم لم يكونوا يعهدون في قديم الزمان عدواً يطرقهم فيه، وإنما تختلف فيه مراكب التجار والصيد، وكانت لهم حروب مع الجيل والديلم ومع قائد لابن أبي الساج وانتهوا إلى ساحل النفاطة من مملكة شروان، فكانت الروس تأوي عند رجوعها من سواحل البحر إلى جزائر تقرب من النفاطة وعلى أميال منها، وكان ملك شروان يومئذ علي بن الهيثم، فاستعد الناس وركبوا في قوارب ومراكب التجار وساروا نحو تلك الجزائر، فمالت عليهم الروس فقتل من المسلمين وممن غرق ألوف، وأقام الروس شهوراً كثيرة في هذا البحر على ما وصفنا، ولا سبيل لأحد ممن جاور هذا البحر من الأمم إليهم، والناس متأهبون لهم حذرون منهم، لأنه بحر غاص بمن حوله من الأمم، فلما غنموا وسئموا مما هم فيه ساروا إلى فم نهر الخزر ومصبه، فراسلوا ملك الخزر وحملوا إليه الأموال والمغانم على ما اشترطه عليهم وملك الخزر لا مراكب له ولا لرجاله بها عادة ولولا ذلك لكان على المسلمين منه آفة عظيمة وعلمت بشأنهم اللارسية ومن في بلاد الخزر من المسلمين فقالوا لملك الخزر: خلنا وهؤلاء القوم فقد أغاروا على بلاد إخواننا المسلمين وسفكوا الدماء وسبوا النساء، فلم يمكنه منعهم، وبعث إلى الروس فأعلمهم بما عزم عليه المسلمون من حربهم، وعسكر المسلمون وخرجوا يطلبونهم منحدرين مع الماء، فلما وقعت العين على العين خرجت الروس على مراكبها وصافوا المسلمين، وكان مع المسلمين من النصارى المقيمين بمدينة إثل، وكان المسلمون في نحو من خمسة عشر ألفاً بالخيول والعدد، وأقامت الحرب بينهم ثلاثة أيام، ونصر الله المسلمين فأخذهم السيف فمن قتيل وغريق، ونجا منهم نحو خمسة آلاف ركبوا في المراكب إلى ذلك الجانب مما يلي برطاس، فتركوا مراكبهم وتعلقوا بالبر، فمنهم من قتله أهل برطاس، ومنهم من وقع إلى بلاد البرغز من المسلمين فقتلوهم، وأحصي من قتلاهم على شاطئ نهر الخزر نحو من ثلاثين ألفاً، ولم يكن للروس من تلك السنة عودة إلى ما ذكرنا.

شراف:

مبني على الكسر مثل: حذام وقطام، موضع كانت فيه وقعة لطيء على بني ذبيان، وهي من أعمال المدينة.

ولما توجه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في الجنود إلى العراق، في خلافة عمر رضي الله عنه، نزل فيه، فأقام بها ثم كتب إليه عمر رضي الله عنه أن يرتفع إلى زرود فأقام بها شتوة، ثم كتب إليه أن انزل شراف واحذر على من معك من المسلمين، إلى أن كان من أمر القادسية ما كان.

شروسان:

مدينة بمقربة من مهران السند، بينها وبين المنصورية أربع مراحل، وهي مدينة جليلة المقدار كثيرة العيون والأنهار، وأسعارها رخيصة ونعمها كثيرة ولأهلها كفاف مال وتجاراتهم حسنة، والقاصد إليهم كثير، والبضائع إليهم نافقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015