فما ترب أثرى لو جمعت ترابها ... بأكثر من إبني نزار على العد

هما كنفا الأرض اللذا لو تزعزعا ... تزعزع ما بين الجنوب إلى السد والسدان المذكوران في قوله تعالى: " بين السدين " جبلان سدا مسالك تلك الناحية من الأرض وبين طرفي الجبلين فتح هو موضع الردم، وقيل: السدان أرمينية وأذربيجان، وقيل: هما من وراء بلاد الترك الذين قالوا: يا ذا القرنين، هم الذين كانوا بقرب السد. قالوا: وهذا السد بينه وبين حدود بلاد الخزر مسيرة شهر وأزيد.

وذكر قتادة (?) ، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: رأيت السد، قال: " كيف رأيته؟ "، قال: كأنه حبرة، قال: " فقد رأيته ".

وبلاد يأجوج ومأجوج في الإقليم الخامس، وبلاد يأجوج عامرة، وهم عدد كثير وجمع غفير وأمم لا يحصون كثرة، وبلادهم بلاد خصب ومياه جارية ومدائن كثيرة، وهم من ولد سام بن نوح، وهم المفسدون في الأرض، وخلقهم خلق صغار جداً، ولا يعرف ما ديانتهم ولا أي شيء معتقدهم. فأما يأجوج فكلهم قصار جداً، حتى إن طول الرجل منهم لا يتجاوز ثلاثة أشبار، ونساؤهم مثل ذلك، وأوجههم مستديرة في غاية الاستدارة، وعليهم شبه الزغب كثير جداً، وآذانهم كبار مستديرة مسترخية حتى إن أذن الرجل إذا هي تعطفت تلحق طرف منكبه، وكلامهم شبيه بالصفير والشرة عليهم بادية، وهم خفاف الوثوب، وفيهم زنا فاحش، وبلادهم بلاد ثلج وشتاء دائم والبرد عندهم لازم في كل الأوقات.

ويقال: إن يأجوج ومأجوج أخوان لأب ولأم، والغالب على ألوانهم البياض والحمرة، ونكاحاتهم كثيرة ونتاجهم فاش، وكانوا قبل أن يصل إليهم الإسكندر ويبني السد عليهم في باب جبلهم الذي كانوا يدخلون منه ويخرجون عليه، يغيرون على من جاورهم حتى أخلوا كثيراً من البلاد والمدن المجاورة لهم من غربي الجبل، وحديث سد ذي القرنين المبني عليهم، وأكثر تلك البلاد خالية لا ساكن بها لكثرة جبالها وغزر مياهها ووحشة أرضها، فلما طغت يأجوج ومأجوج وغلبوا وأكثروا الفساد في الأرض، شكي أمرهم إلى الإسكندر، فلما قصد أرضهم اختبرهم فوجد منهم أمماً عم خيرهم وقل ضررهم هاجروا إلى الإسكندر قبل أن يلحق أرضهم وتبرأوا له مما يفعل إخوانهم يأجوج ومأجوج، وشهد كثير من القبائل لهم بذلك وأنهم لم يزالوا أبد الدهر يطلبون السلامة، فتركهم الإسكندر خارج السد وأقطعهم تلك الأرض، فسمتهم العرب تركاً؛ لأنهم ممن ترك الإسكندر من يأجوج ومأجوج وأسكنهم خلف السد، فقروا في تلك الأرض، فجميع أصناف الترك، وهم أمم كثيرة، تركهم الإسكندر خلف الردم فانتشروا في الأرض وعمروها وكثرت أنسابهم، وأكثرهم مجوس وعباد نيران، والغالب عليهم الجفاء وغلظ النفوس وقلة الانقياد، وهم بالجملة طائعون لأولي الأمر منهم، وفيهم صرامة لازمة وحمية في طلب الثأر وجبايات الأقطار.

فأما السد، فقال وهب بن منبه: إن ذا القرنين انصرف إلى ما بين الصدفين، وهو في منقطع أرض الترك مما يلي الشمال، فذرع ما بينهما فوجده مائة فرسخ، فحفر له أساً حتى بلغ إلى الماء ثم جعل عرضه خمسين فرسخاً وجعل حشوه الصخور وطينته النحاس يذاب ويصب عليه، ثم علاه على الأرض بزبر الحديد والنحاس المذاب، وجعل لذلك عمداً من النحاس الأصفر فصار كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد.

ولما بعث عمر (?) بن الخطاب رضي الله عنه، سراقة بن عمرو إلى الباب، بعد أن رد أبا موسى رضي الله عنه مكانه إلى البصرة، وجعل عمر على مقدمته عبد الرحمن بن ربيعة، وكان من فتح الباب ما كان، فحدث مطر بن ثلج التميمي، قال: دخلت على عبد الرحمن بن ربيعة بالباب وشهربراز وهو كان صاحب الباب عنده، فأقبل رجل عليه شحوب (?) حتى جلس إلى شهربراز فتسارا، ثم إن شهربراز قال لعبد الرحمن: أيها الأمير، أتدري من أين جاء هذا الرجل. هذا رجل بعثته منذ سنتين (?) نحو السد لينظر لي ما حاله ومن دونه، وزودته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015