فرذلند وجمجم له ولم يفسرها له.
ثم خرج ابن فرذلند ووقف على الدروب ومال بجيوشه إلى الجهة الغربية من بلاد الأندلس فتقدم يوسف فقصده وتأخر ابن عباد لبعض الأمر ثم انزعج يقفو أثره بجيش فيه حماة الثغور ورؤساء الأندلس، وجعل ابنه عبد الله على مقدمته، وسار وهو يتفاءل لنفسه مكملاً البيت المشهور:
لا بد من فرج قريب ... يأتيك بالعجب العجيب
غزو عليك مبارك ... سيعود بالفتح القريب
لله سعدك إنه ... نكس على دين الصليب
لا بد من يوم يكو ... (?) ن أخاً له يوم القليب ووافت الجيوش كلها بطليوس فأناخوا بظاهرها وخرج إليهم صاحبها المتوكل عمر بن محمد فلقيهم بما يجب وبالأقوات والضيافات، وبذل مجهوده، ثم جاءهم الخبر بشخوص ابن فرذلند إليهم، ولما ازدلف بعضهم إلى بعض أذكى المعتمد عيونه في محلات الصحراويين خوفاً عليهم من مكايد ابن فرذلند إذ هم غرباء لا علم لهم بالبلاد، وجعل يتولى ذلك بنفسه حتى قيل إن الرجل من الصحراويين كان يخرج عن طرق محلاتهم لبعض شأنه أو لقضاء حاجته فيجد ابن عباد بنفسه مطيفاً بالمحلة بعد ترتيب الكراديس من خيل على أفواه طرق محلاتهم، فلا يكاد الخارج منهم عن المحلة يخطئ ذلك من لقاء ابن عباد لكثرة تطوافه عليهم.
ثم كتب يوسف إلى ابن فرذلند يدعوه إلى الإسلام أو إلى الجزية أو يأذن بحرب، فامتلأ غيظاً وراجعه بما دل على شقائه، وقامت الأساقفة والرهبان فرفعوا صلبهم ونشروا أناجيلهم، وخرجوا فتبايعوا على الموت، ووعظ يوسف وابن عباد أصحابهما، وقام الفقهاء والعباد يعظون الناس ويحضونهم على الصبر ويحذرونهم الفرار، وجاءت الطلائع تخبر أن العدو مشرف عليهم صبيحة يومهم، وهو يوم الأربعاء، فأصبح المسلمون وقد أخذوا مصافهم، فكع ابن فرذلند ورجع إلى إعمال الخديعة، فرجع الناس إلى محلاتهم وباتوا ليلتهم، ثم أصبح يوم الخميس فأخذ ابن فرذلند في إعمال الحيلة فبعث لابن عباد يقول: غداً يوم الجمعة، وهو عيدكم، وبعده الأحد وهو عيدنا، فليكن لقاؤنا بينهما وهو يوم السبت، فعرف المعتمد ذلك يوسف فقال: نعم، فقال له المعتمد: هذه خديعة من ابن فرذلند، إنما يريد غدر المسلمين فلا تطمئن إليه وليكن الناس على استعداد له طول يوم الجمعة على احتراس كثير، وابن عباد مواظب على احتراس جميع المحلات خائفاً عليها من كيد العدو، وبعد هزيع من الليل (?) انتبه الفقيه الناسك أبو العباس أحمد بن رميلة القرطبي (?) - وكان في محلة ابن عباد - فرحاً مسروراً يقول إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فبشره بالفتح والشهادة له في صبيحة غد، وتأهب ودعا ودهن رأسه وتطيب، وانتهى ذلك إلى ابن عباد فبعث إلى يوسف يخبره بها تحقيقاً لما توقعه من غدر ابن فرذلند، فحذروا أجمعين ولم ينفع ابن فرذلند ما حاوله من الغدر.
ثم جاء في الليل فارسان من طلائع المعتمد يخبران أنهما أشرفا على محلة ابن فرذلند وسمعا ضوضاء الجيوش واضطراب الأسلحة ثم تلاحق بقية الطلائع محققين بتحرك ابن فرذلند، ثم جاءت الجواسيس من داخل محلات ابن فرذلند يقولون: استرقنا السمع الساعة، فسمعنا ابن فرذلند يقول لأصحابه: ابن عباد مسعر هذه الحروب، وهؤلاء الصحراويون وإن كانوا أهل حفاظ وذوي بصائر في الجهاد، غير عارفين بهذه البلاد وإنما قادهم ابن عباد، فاقصدوه واهجموا عليه، وإن انكشف لكم هان عليكم هؤلاء الصحراويون بعده ولا أرى ابن عباد يصبر لكم إن صدقتموه الحملة. وعند ذلك بعث ابن عباد كاتبه أبا بكر بن القصيرة إلى يوسف يعرفه بإقبال ابن فرذلند ويستحث نصرته، فمضى ابن القصيرة يطوي المحلات حتى جاء يوسف بن تاشفين فعرفه جلية الأمر،