فقال: يا معشر بكر بن وائل إن النشاب الذي مع الأعاجم يعرفكم فإذا أرسلوه لم يخطئكم فعاجلوهم باللقاء وابدروهم بالشدة، ثم قام هانئ بن مسعود فقال: يا قوم هالك معذور خير من منجى معرور، وإن الحذر لا يدفع القدر، وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، واستقبال الأمر خير من استدباره، والطعن في الثغر أكرم منه في الدبر، يا قوم جدوا فما من الموت بد، فتح لو كان له رجال، أسمع صوتاً ولا أرى قوماً يال بكر شدوا واستعدوا وإلا تشدوا تردوا. ثم قام شريك بن عمرو بن شراحيل فقال: يا قوم إنما تهابونهم إنكم ترونهم عند الحفاظ أكثر منكم، وكذلك أنتم في أعينهم، فعليكم بالصبر فإن الأسنة تردي الأعنة، يال بكر قدماً قدماً، ثم قام عمرو بن جبلة اليشكري فقال:
يا قوم لاتغرركم هذي الخرق ... ولا وميض البيض في الشمس برق ... من لم يقاتل منكم هذا العنق ... فجنبوه الراح واسقوه المرق ... ثم إن القوم اقتتلوا صدر نهاهم أشد قتال رآه الناس قط إلى أن زالت الشمس فشد الحوفزان، واسمه الحارث بن شريك، على الهامرز فقتله، وقتلت بنو عجل جنابرزين، وضرب الله تعالى وجوه الفرس فانهزموا، وقتل الأسود بن شريك بن عمرو وخالد بن يزيد البهراني وأفلت النعمان بن زرعة واياس بن قبيصة واتبعتهم بكر بن وائل يقتلونهم بقية يومهم وليلتهم حتى أصبحوا من الغد وقد شارفوا السواد ودخلوه، وأقبلت بكر على الغنائم فقسموها بينهم وقسموا اللطائم بين نسائهم.
قالوا: وكانت وقعة ذي قار لأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أنها كانت بعد وقعة بدر بأشهر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فلما بلغه ذلك قال: " هذا أول ما انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا ".
ويروى أن النبي مثلت له الوقعة وهو بالمدينة، فرفع يديه فدعا لبني شيبان ولجماعة ربيعة بالنصر، ولم يزل يدعو لهم حتى أري هزيمة الفرس.
ويروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إيه بني أبي ربيعة، اللهم انصر بني أبي ربيعة " فهم إلى الآن إذا حاربوا دعوا بشعار النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته لهم وقال قائلهم يا رسول الله وعدك، فإذا دعوا بذلك نصروا. وقال بكر بن الأصم:
إن كنت ساقية المدامة أهلها ... فاسقي على كرم بني همام
وأبا ربيعة كلها ومحلما ... سبقوا بغاية أفضل الأقسام
زحفوا بجمع لا ترى أقطاره ... لقحت به حرب لغير تمام
عرب ثلاثة آلف وكتيبة ... ألفان عجم من بني الفدام
ضربوا بني الأحرار يوم لقوهم ... بالمشرفي على شؤون الهام
وغدا ابن مسعود فأوقع وقعة ... ذهبت لهم في معرق وشآمي