وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي والمغيرة بن شعبة في ناس.
فاستقر جميعهم بدومة الجندل، فالتقى الحكمان (?) ، فقال عمرو بن العاصي: يا أبا موسى ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوماً؟ قال: أشهد، قال: ألست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياؤه؟ قال: بلى، قال: فإن الله عز وجل قال: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً " فما يمنعك من معاوية ولي عثمان يا أبا موسى وبيته في قريش كما قد علمت، فإن تخوفت أن يقول الناس: ولى معاوية وليست له سابقة فإن لك في ذلك حجة، وجدته ولي عثمان بن عفان المظلوم والطالب بدمه، الحسن السياسة والتدبير، وهو أخو أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صحبه فهو أحد الصحابة رضي الله عنهم. ثم عرض له عمرو بالسلطان فقال: والله إن ولي أكرمك كرامة لم يكرمها خليفة، فقال له أبو موسى: يا عمرو اتق الله، فأما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا ليس على الشرف يولاه (?) أهله، ولو كان للشرف كان هذا الأمر إلى أبرهة بن الصباح، إنما هو لأهل الدين والفضل، مع إني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفاً أعطيته علياً، وأما قولك إن معاوية ولي دم عثمان فوله هذا الأمر فإني لم أكن لأوليه معاوية وأدع المهاجرين الأولين، وأما تعريضك لي بالسلطان فوالله لو خرج لي من سلطانه ما وليته ولا كنت لأرشى في حكم الله عز وجل، ولكن إن شئت أحيينا اسم عمر، فقال له عمرو: إن كنت تحب بيعة ابن عمر فما يمنعك من ابني وأنت تعرف فضله وصدقه؟ قال: إن ابنك رجل صدق ولكنك قد غمسته في هذه الفتنة.
ثم قال (?) أبو موسى: قد علمت أن أهل العراق لا يحبون معاوية أبداً وأن أهل الشام لا يحبون علياً أبداً فهلم فلنخلعهما معاً ونستخلف عبد الله بن عمر، وكان عبد الله بن عمر مزوجاً على بنت أبي موسى، قال عمرو: ويفعل ذلك عبد الله؟ قال أبو موسى: نعم إذا حمله الناس على ذلك، فصوب عمرو كل ما قاله أبو موسى وقال له عمرو: هل لك في سعد؟ قال أبو موسى: لا، وعد له عمرو جماعة وأبو موسى يأبى إلا صهره ابن عمر، فقال له عمرو: أرأيت لو رضي أهل العراق بعبد الله بن عمر وأبى أهل الشام أتقاتل أهل الشام. قال أبو موسى: لا، فقال عمرو: ولو رضي به أهل الشام وأبى أهل العراق أتقاتل أهل العراق؟ قال أبو موسى: لا، فقال: أما إذا رأيت الصلاح والخير في هذا للمسلمين فقم فاخطب الناس واخلع صاحبينا جميعاً، وتكلم باسم هذا الذي تستخلف، فقال أبو موسى: بل أنت قم فاخطب فأنت أحق بذلك، فقال عمرو: ما أحب أن أتقدمك، وما قولي وقولك للناس إلا واحد فقم راشداً، فقام أبو موسى، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس، إنا نظرنا في أمرنا فرأينا أقرب ما يحضرنا في الصلاح ولم الشعث وحقن الدماء وجمع الألفة خلعنا علياً ومعاوية، وقد خلعت علياً ومعاوية كما خلعت عمامتي هذه، ثم أهوى إلى عمامته فخلعها، واستخلفنا رجلاً قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وصحب أبوه النبي صلى الله عليه وسلم فبرز في سابقته، وهو عبد الله بن عمر، وأطراه ورغب الناس فيه ثم نزل، فقام عمرو فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس إن أبا موسى عبد الله بن قيس خلع علياً وأخرجه من الأمر الذي يطلب وهو أعلم به، ألا وإني خلعت علياً معه وأثبت معاوية علي وعليكم، وقد صحب معاوية النبي صلى الله عليه وسلم وصحب أبوه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الخليفة علينا وله طاعتنا وبيعتنا على الطلب بدم عثمان، فقام أبو موسى فقال: كذب عمرو، لم نستخلف معاوية ولكنا خلعناه وعلياً جميعاً، فقال عمرو: بل كذب عبد الله بن قيس قد خلع علياً ولم أخلع معاوية.
وفي (?) رواية: أن أبا موسى قال في خطبته: أيها الناس قد أجمعت أنا وصاحبي أن أخلع أنا علي بن أبي طالب ويعزل هو معاوية بن أبي سفيان، ونجعل هذا الأمر لعبد الله بن عمر فإنه لم يخض في الفتنة ولم يغمس يده في دم مسلم، ألا وإني قد خلعت علي بن أبي طالب كما أخلع سيفي هذا، ثم خلع سيفه من عاتقه ثم جلس، وقال لعمرو: قم، فقام عمرو بن العاصي فقال: أيها الناس إنه قد كان من رأي صاحبي ما قد سمعتم، وإنه أشهدكم أنه خلع علي بن أبي طالب كما يخلع سيفه وأنا