من ناحية المشرق، وهو جبل أحمر محجر فيه صخرة كبيرة بيضاء كأنها معلقة، وفيه تحصن أهل مكة يوم القرمطي (?) .
وكان (?) رجل من قريش يعد سلاحاً فقالت له امرأته: لمن تعد هذا. قال: لمحمد وأصحابه، فقالت: ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء، قال: إني لأرجو أن أخدمك بعض نساء يثرب، وكانت تسر إسلامها، وقال:
إن يقبلوا اليوم فمالي عله ... هذا سلاح كامل وأله ... وذو غرارين سريع السله ... وقالت: كأني بك جئت تطلب مختبأ اختبئك (?) فيه لو قد رأيت خيل محمد ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أقبل إليها فقال: ويحك هل من مختبأ؟ فقالت له: فأين الخادم. فقال: دعيني عنك، وأنشد:
إنك لو أبصرت يوم الخندمه ... إذ فر صفوان وفر عكرمة ... وضربونا بالسيوف المسلمه ... يقطعن كل ساعد وجمجمه ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة ...
مدينة بالمغرب بقرب مليانة، وهي مدينة جليلة كثيرة البساتين ولذلك سميت الخضراء، وهي على نهر إذا حمل دخل بعضها والأظهر أنه شلف لأنه بمقربة منها.
وهي (?) مدينة صغيرة حصينة، وبها عمارات متصلة وكروم وبها من السفرجل كل شيء حسن، وبها سوق وحمام، وسوقها يجتمع إليه أهل تلك الناحية، ومنها إلى مليانة مرحلة.
والخضراء (?) أيضاً بالأندلس، وهي الجزيرة الخضراء ويقال لها جزيرة أم حكيم، وهي جارية طارق بن زياد مولى موسى بن نصير، كان حملها معه فتخلفها بهذه الجزيرة فنسبت إليها، وعلى مرسى أم حكم مدينة الجزيرة الخضراء، وبينها وبين قلشانة أربعة وستون ميلاً، وهي على ربوة مشرفة على البحر، سورها متصل به، وبشرقيها خندق وغربيه أشجار تين وأنهار عذبة، وقصبة المدينة موفية على الخندق وهي منيعة حصينة سورها حجارة وهي في شرقي المدينة ومتصلة بها، وبالمدينة جامع حسن البناء فيه خمس بلاطات وصحن واسع وسقائف من جهة الجوف، وهو في وسط المدينة في أعلى الربوة، وأسواقها متصلة من الجامع إلى شاطئ البحر، وعلى البحر بين القبلة والشرق من مدينة الجزيرة مسجد سري يعرف بمسجد الرايات ركزت فيه المجوس راياتها فنسب إليها وله باب من خشب سفن المجوس، وبها كان دار صناعة بناها عبد الرحمن بن محمد أمير المؤمنين للأساطيل وأتقن بناءها وعالى أسوارها ثم اتخذها المنتزون بها في الفتنة قصراً.
وبغربي المدينة مدخل الوادي في البحر عليه بساتين كثيرة، ومهبطه من حيث تدخله السفن، ومنه شرب أهل الجزيرة ويسمونه وادي العسل، ويمده البحر إلى قدر شطر المدينة، وهو نحو نصف ميل، وتجاهه أثر مدينة الجلندى الملك صاحب قرطاجنة إفريقية بقبلي مدينة الجزيرة، وهي اليوم خربة تزدرع، وبها حائط عريض مبني بالحجارة داخل البحر، ومن هذا الحائط كانت تشحن المراكب وبنى عليه محمد بن فلان برجاً.
ومدينة الجزيرة طيبة رفيقة بأهلها جامعة لفائدة البر والبحر، قريبة المنافع من كل وجه لأنها وسطى مدن الساحل وأقرب مدن الأندلس مجازاً إلى العدوة، ومنها تغلب ملوك الأندلس على ما تغلبوا عليه من بلاد إفريقية، ولها ثلاث حمامات، ولها كور كثيرة وكانت جبايتها ثمانية عشر ألفاً وتسعمائة. وأهل الجزيرة هذه هم الذين أبوا أن يضيفوا موسى والخضر عليهما السلام، وبها أقام الخضر الجدار وخرق السفينة، والجلندى هو الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً، حكي ذلك عن وكيع بن الجراح.
ومرسى الجزيرة مشتى مأمون وهو أيسر المراسي للجواز وأقربها من بر العدوة ويحاذيه مرسى مدينة سبتة ويقطع البحر بينهما في ثلاثة مجار ويتلوه جبل طارق.