ومدينة (?) خانقو هي المرقى الأعظم من مراقي الصين، وهي على جون يصعد فيه إلى كثير من بلاد البغبوغ وهو ملك الصين بأسرها لا ملك فوقه بل كل ملوك ذلك المكان تحت طاعته، والذكر له، ويقال إن بالصين ثلثمائة مدينة كلها عامرة وفيها عدة ملوك كلهم تحت طاعة البغبوغ، ويقال له ملك الملوك، وهو حسن السيرة عادل في رعيته، رفيع في همته، قاهر في سلطانه، مصيب في آرائه، حازم في اجتهاده، لطيف في حكته، وهاب في عطائه، ناظر في الأمور القريبة والبعيدة، بصير بالعواقب، وله في قصره مجلس قد أتقن بنيانه وأحكم سمكه وأبدعت مجالسه (?) ، له فيه كرسي ذهب يجلس عليه ووزراءه حوله، وعلى أعلى رأسه جرس معلق تمتد منه سلسلة ذهب إلى خارج القصر ويتصل طرف السلسلة إلى أسفل القصر، فإذا جاء المظلوم بكتاب مظلمته اجتذب طرف السلسلة فتحرك الجرس فيخرج وزير الملك يده من الطاق كأنه يقول للمظلوم اصعد، فيصعد المظلوم إلى المجلس على درج مختص بصعود المظلومين عليه حتى يقف بين يدي الملك فيسجد المظلوم ثم يقف، فيمد الملك يده إلى المظلوم ويأخذ الكتاب فينظر فيه ثم يدفعه إلى وزرائه، ويحكم له بما يوجب له الحكم وبما يقتضيه مذهبه وشرعه (?) من غير تسويف ولا تطويل ولا وساطة وزير ولا حاجب، ومع ذلك فإنه مجتهد في دينه مقيم لشريعته ديان محافظ كثير الصدقة على الضعفاء، ودينه عبادة البدود، وأهل الهند والصين كلهم لا ينكرون الخالق ويثبتونه بحكمته وصنعته الأزلية، ولا يقولون بالرسل ولا الكتب، وفي كل حال لا يفارقون العدل والإنصاف.
وبخانقو ملك مهيب له مملكة شامخة وفيلة كثيرة وأجناده يأكلون الأرز والنارجيل والألبان وقصب السكر. ومدينة خانقو مرفأ الصين وهي على نهر عذب يخترقها قد عقد عليه الجسور وعلى أحد جانبيه أسواق العرب والفرس، ومن الجانب الآخر أسواق أهل المدينة، ولهم رواء وأمانة وصدق لهجة، وبها ضياع وقوم يتخذون الغضارات الصينية والحرير الصيني وإذا جن الليل قرع الطبل في الجانبين وانصرف كلا الفريقين إلى مواضعهم فمن وجد بعد ذلك في سوق أدب وغرم.
مدينة بينها وبين خانفو ثمانية أيام (?) وفيها عامة ما في خانفو.
نهر يمر بديار ربيعة حتى يصب في الفرات بعد مره على وسط مدينة قرقيسيا، ويسمى الهرماس (?) وهو المذكور في قول عدي بن زيد:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور والخابور مدينة لطيفة على شاطئ الفرات لها بساتين وحدائق، وبها مات مسلمة بن عبد الملك، وكان يلقب بالجرادة الصفراء.
هي المدينة التي بنتها الزباء صاحبة قصير على الفرات من أرض الجزيرة وأنفقت فيها النفق تحت الفرات إلى الصحراء بالجانب الآخر، وهي مدينة (?) صغيرة آهلة عامرة ولها سوق وتجارات.
في بلاد الروم، قال المسعودي (?) : الرقيم بالهوتة وهي خارمي بين عمورية ونيقية من بلاد الروم، وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط هذا الفصل في حرف الراء عند ذكر الرقيم.
وفي البحر على طريق البصرة جزائر على مسيرة يوم ويومين وثلاثة، وفيها آثار وبناء وخرابات، يرفأ فيها أصحاب السفن إذا هاجت الرياح، وفي تلك الجزائر صيد كثير، منها جزيرة خارك وهي على أربعة فراسخ من جنابا في البحر، وليس فيها من البناء إلا صومعة راهب، وبها جزر غليظ يقطع بالقدوم لغلظه.