البصرة، فكانت وقعة الجمل بالخريبة بمقربة من البصرة قتل فيها نحو ثلاثة عشر ألفاً، وقتل الزبير وطلحة بن عبيد الله ومحمد بن طلحة المدعو بالسجاد رضي الله عنهم، وهو الذي قال فيه علي رضي الله عنه حين رآه قتيلاً: هذا رجل قتله بره بأبيه. ورمي هودج عائشة رضي الله عنها فجعلت تنادي: يا بني البقيا، يا بني البقيا، ويعلو صوتها، وكانت جهيرة، فأبوا إلا إقداماً، وماج الناس بعضهم في بعض، فصرخ صارخ: اعقروا الجمل، وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: أمسيت يوم الجمل وبي سبع وثمان جراحة من طعنة وضربة، وما رأيت مثل يوم الجمل قط ما ينهزم منا أحد وما نحن إلا كالجبل الأسود وما يأخذ بخطام الجمل أحد إلا قتل. ونادى علي رضي الله عنه: اعقروا الجمل فإنه إن عقر تفرقوا، فضربه رجل فسقط، فما سمعت صوتاً قط كان أشد من عجيج الجمل، وقطع على خطام الجمل سبعون يداً من بني ضبة كلما قطعت يد رجل قام آخر وقال: أنا الغلام الضبي، ورمي الهودج بالنشاب حتى صار كالقنفذ، وقصة يوم الجمل مطولة شهيرة فليقتصر من خبرها على هذا القدر ففيه مقنع.

الحيرة:

قال الهمداني (?) : سار تبع أبو كرب في غزوته فلما أتى موضع الحيرة خلف هنالك مالك بن فهم بن غنم بن دوس على أثقاله وخلف معه من ثقل من أصحابه في نحو اثني عشر ألفاً وقال: تحيروا هذا الموضع، فسمي الموضع الحيرة، فمالك أول ملوك الحيرة وأبوهم، وكانوا يملكون ما بين الحيرة والأنبار وهيت ونواحيها وعين التمر وأطراف البراري: الغمير والقطقطانة وخفية، وكان مكان الحيرة من أطيب البلاد وأرقه هواء وأخفه ماء وأعذاه (?) تربة وأصفاه جواً.

وكانت (?) الحيرة على ثلاثة أميال من الكوفة، والحيرة على النجف، والنجف كان على ساحل البحر الملح، وكان في سالف الدهر يبلغ الحيرة.

والحيرة (?) مدينة صغيرة جاهلية حسنة البناء طيبة الثرى، وكانت فيما سلف أكبر من نظرها بعد ذلك لأن أكثر أهلها انتقلوا إلى الكوفة.

وبالحيرة (?) منازل بني بقيلة وغيرهم، وبها كانت منازل ملوك بني نصر ولخم وهم آل النعمان بن المنذر، وأول من نزل الحيرة عمرو بن عدي بن نصر واتخذها دار مملكته، وعامة أهل الحيرة نصارى فيهم من قبائل العرب على دين النصرانية من بني تميم آل عدي بن زيد العبادي الشاعر ومن سليم وطيء وغيرهم، والخورنق بالقرب منها مما يلي المشرق، وبينه وبين الحيرة ثلاثة أميال، والسدير في برية بالقرب منها.

وقال قتادة (?) : ذكر لنا أن تبعاً كان رجلاً من حمير سار بالجنود حتى حير الحيرة ثم أتى سمرقند فهدمها.

والحيرة أرض باردة في الشتاء وهي في الصيف مفرطة الحر حتى إنهم لينزعون ستور بيوتهم مخافة من إحراق السمائم لها ولا يشربون الماء إلا بالسكنجبين والجلاب لأن الماء لا يبلغ أعماق أبدانهم صرفاً. ولم يزل ملوك الحيرة من ذرية عمرو بن عدي بن نصر، وهم النصريون، إلى النعمان بن المنذر فهو آخر ملوكهم، وهو الذي قتله كسرى بزيد بن عدي بن زيد، وكان النعمان (?) لما أراد إتيان كسرى بعد هربه نزل ببني شيبان، فأودع سلاحه وعياله عند هانئ بن مسعود، فلما أتى كسرى على النعمان بعث إلى هانئ يطالبه بتركته فأبى أن يخفر الذمة، فكان ذلك السبب الذي هاج حرب ذي قار.

وكانت (?) حرقة بنت النعمان إذا خرجت إلى بيعتها فرش لها طريقها بالحرير والديباج، فلما هلك النعمان نكبها الزمان، وقدم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه القادسية أميراً عليها، فهزم الفرس وقتل رستم، فأتته حرقة بنت النعمان في لمة من نسائها، وعليهن المسوح والمقطعات السود مترهبات، يطلبن صلته، فلما وقفن بين يديه قال: أيتكن حرقة؟ فقالت: ها أنا ذه قال: أنت حرقة؟ قالت: نعم، فما تكرارك لاستفهامي؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015