وهذه أسانيد جيدة، عبد الله بن أبي بكر متفق على ثقته وجلاله، قال أحمد: حديثه شفاء. وقال النسائي: ثقة ثبت. ووثقه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما، واحتج به الستة.
وحاول الطحاوي أن يقلل من شأنه فقال (1/ 72): "ولا عبد الله بن أبي بكر -عندهم- حديثه بالمتقن" ثم ساق بسنده عن ابن عينية أنه قال: كنا إذا رأينا الرجل يكتب الحديث عند واحدٍ من -نفرٍ سمّاهم، منهم: عبد الله بن أبي بكر- سخرنا منهم؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون الحديث.
قلت: هذا جرح غير مفسّر لا ينتهض أمام توثيق الأئمة المتقدِّم ذكرهم.
وقد أُعِلّ هذا الحديث بعلتين غير قادحتين:
الأولى: أنه من رواية مروان بن الحكم وهو ممن لا يحتج بحديثه، وأفعاله في كتب التاريخ معلومة.
الثانية: أن الواسطة بين مروان بن الحكم وبُسْرة هو شرطيه، وهو غير معروف.
وقد أجيب عن ذلك بأجوبة، قال ابن حزم في المُحلَّى (1/ 236): "مروان ما نعلم له جِرْحَةً قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما، ولم يلقه عروة إلا قبل خروجه على أخيه لا بعد خروجه، هذا مما لا شك فيه". أهـ.
قال الحافظ في الهدى الساري (ص 443) دفاعًا عن مروان: "يُقال: له رؤية، فإن ثبتت فلا يُعرّج على من تكلم فيه. وقال عروة بن الزبير: كان مروان لا يتهم في الحديث. وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادًا على صدقه- .. ثم ذكر بعض ما طعن عليه به، وقال بعد أن ذكر بعض الرواة عنه: وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميرًا عندهم بالمدينة قبل أن يبدو منه في الخلاف على ابن الزبير ما بدا". أهـ.