وَالتّجْبِيَةُ الْجَلْدُ بِحَبْلِ مِنْ لِيفٍ مَطْلِيّ بِقَارِ ثُمّ تُسَوّدُ وُجُوهُهُمَا، ثُمّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَتُجْعَلُ وُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِ الْحِمَارَيْنِ - فَاتّبِعُوهُ فَإِنّمَا هُوَ مَلِكٌ وَصَدّقُوهُ وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا بِالرّجْمِ فَإِنّهُ نَبِيّ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَنْ يَسْلُبَكُمُوهُ. فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ هَذَا رَجُلٌ قَدْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةِ قَدْ أُحْصِنَتْ فَاحْكُمْ فِيهِمَا، فَقَدْ وَلّيْنَاك الْحُكْمَ فِيهِمَا. فَمَشَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى أَتَى أَحْبَارَهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَخْرِجُوا إلَيّ عُلَمَاءَكُمْ فَأُخْرِجَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ صُورِيَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنّهُمْ قَدْ أَخَرَجُوا إلَيْهِ يَوْمَئِذٍ مَعَ ابْنِ صُورِيَا، أَبَا يَاسِرٍ بْنَ أَخْطَبَ وَوَهْبَ بْنَ يَهُوذَا، فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا.
فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمّ حَصَلَ أَمْرُهُمْ إلَى أَنْ قَالُوا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ صُورِيَا: هَذَا مِنْ أَعْلَمِ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ قَوْلِهِ " وَحَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ - إلَى أَعْلَمِ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ " مِنْ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الّذِي قَبْلَهُ.
فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ غُلَامًا شَابّا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا فَأَلَظّ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَةَ يَقُولُ لَهُ يَا ابْنَ صُورِيَا، أَنْشُدُك اللهَ وَأُذَكّرُك بِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الْمَائِدَة:43-44] يَعْنِي مُحَمّدًا، وَمَنْ حَكَمَ بِالرّجْمِ قَبْلَهُ لِأَنّهُ حَكَمَ بِالرّجْمِ لِأُولَئِكَ الْيَهُودِ الّذِينَ تَحَاكَمُوا إلَيْهِ {والربانيون} . يَعْنِي: عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَامٍ وَابْنَ صُورِيَا مِنْ الْأَحْبَارِ {بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ} لِأَنّهُمْ حَفِظُوا أَنّ الرّجْمَ فِي التّوْرَاةِ، لَكِنّهُمْ بَدّلُوا وَغَيّرُوا، وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ لِأَنّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ عَلَى الْيَهُودِ إلَى قَوْلِهِ {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الْمَائِدَة: 44] فَحَكَمَ بِالرّجْمِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يُبَيّنُ لَك أَنّ الرّجْمَ فِي الْقُرْآنِ وَعَلَى هَذَا فَسّرَهُ مَالِكٌ فِيمَا بَلَغَنِي، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لِلرّجُلَيْنِ لَأَحْكُمَنّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ فَحَكَمَ بِالرّجْمِ كَمَا فِي الْكِتَابِ الْمُنَزّلِ عَلَى مُوسَى، وَعَلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى