وَرُبمَا أَخطَأ وأتهم فِي الشَّيْء بعد الشَّيْء كَمَا يُخطئ غَيره".
كَمَا أننا نجد غير وَاحِد من الْأَئِمَّة الاعلامن كَابْن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَشعْبَة بن الْحجَّاج وسُفْيَان الثَّوْريّ، يوثقونه وَلَا يَتَّهِمُونَهُ بِشَيْء مِمَّا اتهمه بِهِ غَيرهم.
فنجد عَالما جَلِيلًا كَالْإِمَامِ مَالك بن أنس - رَحمَه الله -، وَآخر كهشام بن عُرْوَة بن الزبير - رَضِي الله عَنهُ -، يكادان يخرجانه من حَظِيرَة المحديثين، وَلَا يدخران وسعاً فِي اتهامه بِالْكَذِبِ والدجل.
وَمِمَّا قَالَه الإِمَام مَالك عَنهُ: "ابْن أسْحَاق كَذَّاب ودجال من الدجاجلة"، وَرُوِيَ عَن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل - رَحمَه الله - أَنه قَالَ: "ابْن إِسْحَاق لَيْسَ بِحجَّة"، وَحكم عَلَيْهِ ابْن معينفي رِوَايَة عَنهُ بِأَنَّهُ سقيم، وَلَيْسَ بِحجَّة.
وَالْحق - وَالله أعلم - أَن الحاملين عَلَيْهِ لم تكن ساحتهم مبرأة عَن الْغَايَة، وَلم تكن مَعَ الْحق مُطَابقَة، لِأَن ابْن إِسْحَاق كَانَ يطعن فِي نسب مَالك بن أنس، وَفِي علمه وَيَقُول: ائْتُونِي بِبَعْض كتبه حَتَّى أبين عيوبه، فَأَنا بيطار كتبه. فانبرى لَهُ مَالك، وفتش هُوَ الآخر عَن عيوبه، وَسَماهُ دجالًا، وَكَانَت بَينهمَا هَذِه الْحَرْب الكلامية.
كام غاظ هِشَام بن عبد الْملك من ابْن إِسْحَاق أَنه كَانَ يَدعِي رِوَايَته عَن امْرَأَته، وَالرِّوَايَة فِي ظن هِشَام لَا بُد أَن تصحبها الرُّؤْيَة، وَلَقَد فَاتَ هشاماً أَن الرِّوَايَة قد تكون من وَرَاء حجاب، أَو أَن ابْن إِسْحَاق حمل عَنْهَا صَغِيرا.
وَأما مَا رمي بِهِ ابْن إِسْحَاق من التَّدْلِيس وَغَيره، فقد عقد فِي ذَلِك الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابه "تَارِيخ بَغْدَاد"، وَابْن سيد النَّاس فِي كِتَابه "عُيُون الْأَثر" فصلين عرضا فيهمَا لتفنيد جَمِيع المطاعن الَّتِي وجهت إِلَيْهِ.
يبْقى هُنَا مأخذاً على ابْن إِسْحَاق، وَهُوَ أَنه كَانَت تعْمل لَهُ الْأَشْعَار، وَيُؤْتى بهَا، وَيسْأل أَن يدخلهَا فِي كِتَابه "السِّيرَة" فيفعل ذَلِك بِلَا وقُوف وَلَا تَنْقِيح.
وَهَذَا مطْعن فِي مِقْدَار علمه بالشعر، فَكَانَ يقبل الْأَشْعَار غثها وسمينها، باطلها وصحيحها، وَلَو أَن ابْن إِسْحَاق حكم ذوقه، ووقف من هَذِه الْأَشْعَار وَقْفَة النَّاقِد،