يرَاهُ النَّاس من أَرْوَاح الْمَوْتَى ومجيئهم إِلَيْهِم من الْمَكَان الْبعيد أَمر يُعلمهُ عَامَّة النَّاس وَلَا يَشكونَ فِيهِ وَالله أعلم
وَأما السَّلَام على أهل الْقُبُور وخطابهم فَلَا يدل على أَن أَرْوَاحهم لَيست فِي الْجنَّة وَأَنَّهَا على أفنية الْقُبُور فَهَذَا سيد ولد آدم الَّذِي روحه فِي أَعلَى عليين مَعَ الرفيق الْأَعْلَى عِنْد قَبره وَيرد سَلام الْمُسلم عَلَيْهِ وَقد وَافق أَبُو عمر رَحمَه الله على أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وَيسلم عَلَيْهِم عِنْد قُبُورهم كَمَا يسلم على غَيرهم كَمَا علمنَا النَّبِي أَن نسلم عَلَيْهِم وكما كَانَ الصَّحَابَة يسلمُونَ على شُهَدَاء أحد وَقد ثَبت أَن أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة تسرح حَيْثُ شَاءَت كَمَا تقدم وَلَا يضيق عقلك عَن كَون الرّوح فِي الْمَلأ الْأَعْلَى تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت وَتسمع سَلام الْمُسلم عَلَيْهَا عِنْد قبرها وتدنو حَتَّى ترد عَلَيْهِ السَّلَام وللروح شَأْن آخر غير شَأْن الْبدن وَهَذَا جِبْرِيل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ رَآهُ النَّبِي وَله سِتّمائَة جنَاح مِنْهَا جَنَاحَانِ قد سد بهما مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَكَانَ من النَّبِي حَتَّى يضع رُكْبَتَيْهِ بَين رُكْبَتَيْهِ وَيَديه على فَخذيهِ وَمَا أَظُنك يَتَّسِع بظنك أَنه كَانَ حِينَئِذٍ فِي الْمَلأ الْأَعْلَى فَوق السَّمَوَات حَيْثُ هُوَ مستقره وَقد دنا من النَّبِي هَذَا الدنو فَإِن التَّصْدِيق بِهَذَا لَهُ قُلُوب خلقت لَهُ وأهلت لمعرفته وَمن لم يَتَّسِع بطانة لهَذَا فَهُوَ أضيق أَن يَتَّسِع للْإيمَان بالنزول الإلهي إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كل لَيْلَة وَهُوَ فَوق سماواته على عَرْشه لَا يكون فَوْقه شَيْء الْبَتَّةَ بل هُوَ العالي على كل شَيْء وعلوه من لَوَازِم ذَاته وَكَذَلِكَ دنوه عَشِيَّة عَرَفَة من أهل الْموقف وَكَذَلِكَ مَجِيئه يَوْم الْقِيَامَة لمحاسبة خلقه وإشراق الأَرْض بنوره وَكَذَلِكَ مَجِيئه إِلَى الأَرْض حِين دحاها وسواها ومدها وبسطها وهيأها لما يُرَاد مِنْهَا وَكَذَلِكَ مَجِيئه يَوْم الْقِيَامَة حِين يقبض من عَلَيْهَا وَلَا يبْقى بهَا أحد كَمَا قَالَ النَّبِي فَأصْبح رَبك يطوف فِي الأَرْض وَقد خلت عَلَيْهِ الْبِلَاد هَذَا وَهُوَ فَوق سماواته على عَرْشه
حَال الْأَرْوَاح من الْقُوَّة والضعف وَالْكبر والصغر فللروح الْعَظِيمَة الْكَبِيرَة من ذَلِك مَا لَيْسَ لمن هُوَ دونهَا وَأَنت ترى أَحْكَام الْأَرْوَاح فِي الدُّنْيَا كَيفَ تَتَفَاوَت أعظم تفَاوت بِحَسب تفارق الْأَرْوَاح فِي كيفياتها وقواها وإبطائها وإسراعها والمعاونة لَهَا فللروح الْمُطلقَة من أسر الْبدن وعلائقه وعوائقه من التَّصَرُّف وَالْقُوَّة والنفاذ والهمة وَسُرْعَة الصعُود إِلَى الله والتعلق بِاللَّه مَا لَيْسَ للروح المهينة المحبوسة فِي علائق الْبدن وعوائقه فَذا كَانَ هَذَا وَهِي محبوسة فِي بدنهَا فَكيف إِذا تجردت