وَأما من ذكر الْكَافِر والفاجر فَلم يشك وَرِوَايَة من لم يشك مَعَ كثرتهم أولى من رِوَايَة من شكّ مَعَ انْفِرَاده على أَنه لَا تنَاقض بَين الرِّوَايَتَيْنِ فان الْمُنَافِق يسْأَل كَمَا يسْأَل الْكَافِر وَالْمُؤمن فَيثبت الله أهل الْإِيمَان ويضل الله الظَّالِمين وهم الْكفَّار والمنافقون
وَقد جمع أَبُو سعيد الخدرى فِي حَدِيثه الذى رَوَاهُ أَبُو عَامر العقدى حَدثنَا عباد بن رَاشد عَن دَاوُد بن أَبى هِنْد عَن أَبى نَضرة عَن أَبى سعيد قَالَ شَهِدنَا مَعَ رَسُول الله جَنَازَة فَذكر الحَدِيث وَقَالَ وَإِن كَانَ كَافِرًا أَو منافقا يَقُول لَهُ مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول لَا أدرى وَهَذَا صَرِيح فِي أَن السُّؤَال للْكَافِرِ وَالْمُنَافِق وَقَول أَبى عمر رَحمَه الله وَأما الْكَافِر الجاحد الْمُبْطل فَلَيْسَ مِمَّن يسْأَل عَن ربه وَدينه فَيُقَال لَهُ لَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من جملَة المسئولين وَأولى بالسؤال من غَيره
وَقد أخبر الله فِي كِتَابه أَنه يسْأَل الْكَافِر يَوْم الْقِيَامَة قَالَ تَعَالَى {وَيَوْم يناديهم فَيَقُول مَاذَا أجبتم الْمُرْسلين} وَقَالَ تَعَالَى فوربكم لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ وَقَالَ تَعَالَى {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين} فَإِذا سئلوا يَوْم الْقِيَامَة فَكيف لَا يسْأَلُون فِي قُبُورهم فَلَيْسَ لما ذكره أَبُو عمر رَحمَه الله وَجه
يكون لَهَا ولغيرها
هَذَا مَوضِع تكلم فِيهِ النَّاس فَقَالَ أَبُو عبد الله الترمذى إِنَّمَا سُؤال الْمَيِّت فِي هَذِه الْأمة خَاصَّة لِأَن الْأُمَم قبلنَا كَانَت الرُّسُل تأتيهم بالرسالة فاذا أَبَوا كفت الرُّسُل واعتزلزهم وعولجو بِالْعَذَابِ فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا بِالرَّحْمَةِ إِمَامًا لِلْخلقِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} أمسك عَنْهُم الْعَذَاب وَأعْطى السَّيْف حَتَّى يدْخل فِي دين الْإِسْلَام من دخل لمهابة السَّيْف ثمَّ يرسخ الْإِيمَان فِي قلبه فأمهلوا فَمن هَا هُنَا ظهر أَمر النِّفَاق وَكَانُوا يسرون الْكفْر ويعلنون الْإِيمَان فَكَانُوا بَين الْمُسلمين فِي ستر فَلَمَّا مَاتُوا قبض الله لَهُم فتانى الْقَبْر ليستخرجا سرهم بالسؤال وليميز الله الْخَبيث من الطّيب فَيثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة ويضل الله الظَّالِمين وَيفْعل الله مَا يَشَاء
وَخَالف فِي ذَلِك آخَرُونَ مِنْهُم عبد الْحق الأشبيلى والقرطبى وَقَالُوا السُّؤَال لهَذِهِ الْأمة ولغيرها