وسر هَذَا الْفَرح إِنَّمَا يُعلمهُ من علم سر فَرح الرب تَعَالَى بتوبة عَبده أَشد فَرح يقدر وَلَقَد ضرب لَهُ رَسُول مثلا لَيْسَ فِي أَنْوَاع الْفَرح فِي الدُّنْيَا أعظم مِنْهُ وَهُوَ فَرح رجل قد خرج براحته الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه فِي سفر ففقدها فِي أَرض دوية مهلكة فاجتهد فِي طلبَهَا فَلم يجدهَا فيئس مِنْهُ فَجَلَسَ ينْتَظر الْمَوْت حَتَّى إِذا طلع الْبَدْر رَأْي فِي ضوئه رَاحِلَته وَقد تعلق زمامها بشجر فَقَالَ من شدَّة فرحه اللَّهُمَّ أَنْت عَبدِي وَأَنا رَبك أَخطَأ من شدَّة الْفَرح فَالله أفرح بتوبة عَبده من هَذَا براحلته
فَلَا يُنكر أَن يحصل للتائب نصيب وافر من الْفَرح بِالتَّوْبَةِ وَلَكِن هَاهُنَا أَمر يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَهُوَ أَن لَا يصل إِلَى ذَلِك إِلَّا بعد ترحات ومضض ومحن لَا تثبت لَهَا الْجبَال فَإِن صَبر لَهَا ظفر بلذة الْفَرح وَإِن ضعف عَن حملهَا وَلم يصبر لَهَا لم يظفر بِشَيْء وَآخر أمره فَوَات مَا آثره من فرحة الْمعْصِيَة ولذتها فيفوته الْأَمْرَانِ وَيحصل على ضد اللَّذَّة من الْأَلَم الْمركب من وجود المؤذي وفوت المحبوب فَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير
إِلَى الله إِذا أرسل إِلَيْهِ الْمَلَائِكَة فبشروه بلقائه وَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت أَخْرِجِي أيتها الرّوح الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب ابشري بِروح وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان اخْرُجِي راضية مرضيا عَنْك يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي فَلَو لم يكن بَين يَدي التائب إِلَّا هَذِه الفرحة وَحدهَا لَكَانَ الْعقل يَأْمر بآيثارها فَكيف وَمن بعْدهَا أَنْوَاع من الْفَرح مِنْهَا الْمَلَائِكَة الَّذين بَين السَّمَاء وَالْأَرْض على روحه وَمِنْه فتح أبوب السَّمَاء لَهَا وَصَلَاة مَلَائِكَة السَّمَاء عَلَيْهَا وتشييع مقربيها لَهَا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فتفتح وَيُصلي عَلَيْهَا أَهلهَا وشيعها مقربوها هَكَذَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَكيف يقدر فرحها استؤذن لَهَا على رَبهَا ووليها وحبيبها فوقفت بَين يَدَيْهِ وَأذن لَهَا بِالسُّجُود فسجدت ثمَّ سمعته سُبْحَانَهُ يَقُول اكتبوا كِتَابه فِي غلبين ثمَّ يذهب بِهِ فَيرى الْجنَّة ومقعده فِيهَا وَمَا أعد الله لَهُ ويلقي أَصْحَابه وَأَهله فيستبشرون بِهِ ويفرحون بِهِ ويفرح بهم فَرح الْغَائِب يقدم على أَهله فيجدهم على أحسن حَال وَيقدم عَلَيْهِم بِخَير مَا قدم بِهِ مُسَافر هَذَا كُله قبل الْفرج الْأَكْبَر يَوْم حشر الأجساد بجلوسه فِي ظلّ الْعَرْش وشربه من الْحَوْض وَأَخذه كِتَابه بِيَمِينِهِ وَثقل مِيزَانه وَبَيَاض وَجهه وإعطائه النُّور التَّام وَالنَّاس فِي الظلمَة وقطعه جسر جَهَنَّم بِلَا تعويق وانتهائه إِلَى بَاب الْجنَّة وَقد أزلفت لَهُ فِي لموقف وتلقي خزنتها لَهُ بالترحيب وَالسَّلَام والبشارة وقدومه على مَنَازِله وقصوره وأزواجه وسراريه