وَأما الجرأة فَهِيَ إقدام سَببه قلَّة المبالاة وَعدم النّظر فِي الْعَاقِبَة بل تقدم النَّفس فِي غير مَوضِع الْإِقْدَام معرضة عَن مُلَاحظَة الْعَارِض فإمَّا عَلَيْهَا وَإِمَّا لَهَا
وإرادته وعقله وَوزن الْأُمُور بَعْضهَا بِبَعْض فأعد لكل مِنْهَا قرنة وَلَفْظَة الحزم تدل على الْقُوَّة وَالْإِجْمَاع وَمِنْه حزمة الْحَطب فحازم الرَّأْي هُوَ الَّذِي اجْتمعت لَهُ شئون رَأْيه وَعرف مِنْهَا خير الخيرين وَشر الشرين فأحجم فِي مَوضِع الإحجام رَأيا وعقلا لَا جبنا وَلَا ضعفا
الْعَاجِز الرَّأْي مضياع لفرصته ... حَتَّى إِذا فَاتَ أَمر عَاتب القدرا
خلقين عدل وَحِكْمَة فبالعدل يعتدل فِي الْمَنْع والبذل وبالحكمة يضع كل وَاحِد مِنْهُمَا مَوْضِعه الَّذِي يَلِيق بِهِ فيتولد من بَينهمَا الاقتصاد وَهُوَ وسط بَين طرفين مذمومين كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك وَلَا تبسطها كل الْبسط فتقعد ملوما محسورا} وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا وَكَانَ بَين ذَلِك قواما} وَقَالَ تَعَالَى كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا
وَأما الشُّح فَهُوَ خلق ذميم يتَوَلَّد من سوء الظَّن وَضعف النَّفس ويمده وعد الشَّيْطَان حَتَّى يصير هلعا والهلع شدَّة الْحِرْص على الشَّيْء والشره بِهِ فتولد عَنهُ الْمَنْع لبذله والجزع لفقده كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعا وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعا}
بِمَالِه ومركوبه مُسَافِرًا فَهُوَ يحْتَرز بِجهْدِهِ من كل قَاطع للطريق وكل مَكَان يتَوَقَّع مِنْهُ الشَّرّ وَكَذَلِكَ يكون مَعَ التأهب والاستعداد وَأخذ الْأَسْبَاب الَّتِي بهَا ينجو من الْمَكْرُوه فالمحترز كالمتسلح المتطوع الَّذِي قد تأهب للقاء عدوه وَأعد لَهُ عدته فهمه فِي تهيئة أَسبَاب النجَاة ومحاربة عدوه قد أشغلته عَن سوء الظَّن بِهِ وَكلما سَاءَ بِهِ الظَّن أَخذ فِي أَنْوَاع الْعدة وَالتَّأَهُّب