أَن يسْجد بَين يَدي ربه إجلالا وذلا وانكسارا بَين يَدَيْهِ سَجْدَة لَا يرفع رَأسه عَنْهَا حَتَّى يلقاه وَأما الْقلب المتكبر فَإِنَّهُ قد اهتز بتكبره وَربا فَهُوَ كبقعة رابية من الأَرْض لَا يسْتَقرّ عَلَيْهَا المَاء فَهَذَا خشوع الْإِيمَان
وَأما التماوت وخشوع النِّفَاق فَهُوَ حَال عِنْد تكلّف إسكان الْجَوَارِح تصنعا ومراءاة وَنَفسه فِي الْبَاطِن شَابة طرية ذَات شهوات وإرادات فَهُوَ يخشع فِي الظَّاهِر وحية الْوَادي وَأسد الغابة رابض بَين جَنْبَيْهِ ينْتَظر الفريسة
تقطع أَعْنَاق الرِّجَال فيربأ بِنَفسِهِ عَن أَن يلقيها فِي ذَلِك بِخِلَاف التيه فَإِنَّهُ خلق متولد بَين أَمريْن إعجابه بِنَفسِهِ وازدرائه بِغَيْرِهِ فيتولد من بَين هذَيْن التيه وَالْأول يتَوَلَّد من بَين خلقين كريمين إعزاز النَّفس وإكرامها وتعظيم مَالِكهَا وسيدها أَن يكون عَبده دنيا وضيعا خسيسا فيتولد من بَين هذَيْن الخلقين شرف النَّفس وصيانتها وأصل هَذَا كُله استعداد وتهيؤها وإمداد وَليهَا ومولاها لَهَا فَإِذا فقد الاستعداد والإمداد فقد الْخَيْر كُله
من ثدي هُوَ مصب الْخَبَائِث والرذائل والدنايا وَلَو غزر لبنه وتهالك النَّاس عَلَيْهِ فَإِن لَهُم فطاما تَنْقَطِع مَعَه الأكباد حسرات فَلَا بُد من الْفِطَام فَإِن شِئْت عجل وَأَنت مَحْمُود مشكور وَإِن شِئْت أخر وَأَنت غير مأجور بِخِلَاف الْجفَاء فَإِنَّهُ غلظة فِي النَّفس وقساوة فِي الْقلب وكثافة فِي الطَّبْع يتَوَلَّد عَنْهَا خلق يُسمى الْجفَاء
سُبْحَانَهُ وَمَعْرِفَة أَسْمَائِهِ وَصِفَاته ونعوت جَلَاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله وَمن مَعْرفَته بِنَفسِهِ وتفاصيلها وعيوب عَملهَا وآفاتها فيتولد من بَين ذَلِك كُله خلق هُوَ التَّوَاضُع وَهُوَ انكسار الْقلب لله وخفض جنَاح الذل وَالرَّحْمَة بعباده فَلَا يرى لَهُ على أحد فضلا وَلَا يرى لَهُ عِنْد أحد حَقًا بل يرى الْفضل للنَّاس عَلَيْهِ والحقوق لَهُم قبله وَهَذَا خلق إِنَّمَا يُعْطِيهِ الله عز وَجل من يُحِبهُ ويكرمه ويقربه