فتقوم الْحَرْب بَين هَاتين النفسين والمنصور من نَصره الله وَإِذا جَاءَت تِلْكَ بالإخلاص والصدق والتوكل والإنابة والمراقبة جَاءَت هَذِه بإضدادها وأخرجتها فِي عدَّة قوالب وتقسم بِاللَّه مَا مرادها إِلَّا الْإِحْسَان والتوفيق وَالله يعلم أَنَّهَا كَاذِبَة وَمَا مرادها إِلَّا مُجَرّد حظها وَاتِّبَاع هَواهَا والتفلت من سجن الْمُتَابَعَة والتحكيم الْمَحْض للسّنة إِلَى قَضَاء إرادتها وشهوتها وحظوظها ولعمرو الله مَا تخلصت إِلَّا من فضاء الْمُتَابَعَة وَالتَّسْلِيم إِلَى سجن الْهوى والإرادة وضيقة وظلمته ووحشته فَهِيَ مسجونة فِي هَذَا الْعَالم وَفِي البرزخ فِي أضيق مِنْهُ وَيَوْم الميعاد الثَّانِي فِي أضيق مِنْهُمَا
وَمن أعجب أمرهَا أَنَّهَا تسحر الْعقل وَالْقلب فتأتي إِلَى أشرف الْأَشْيَاء وأفضلها وأجلها فتخرجه فِي صُورَة مذمومة وَأكْثر الْخلق صبيان الْعُقُول أَطْفَال الأحلام لم يصلوا إِلَى حد الْفِطَام الأول عَن العوائد والمألوفات فضلا عَن الْبلُوغ الَّذِي يُمَيّز بِهِ الْعَاقِل الْبَالِغ بَين خير الخيرين فَيُؤْثِرُهُ وَشر الشرين فيجتنبه فتريه صُورَة تَجْرِيد التَّوْحِيد الَّتِي هِيَ أبهى من صُورَة الشَّمْس وَالْقَمَر فِي صُورَة التنقيص المذموم وهضم العظماء مَنَازِلهمْ وحطهم مِنْهَا إِلَى مرتبَة الْعُبُودِيَّة الْمَحْضَة والمسكنة والذل والفقر الْمَحْض الَّذِي لَا ملكة لَهُم مَعَه وَلَا إِرَادَة وَلَا شَفَاعَة إِلَّا من بعد إِذن الله فتريهم النَّفس السحارة هَذَا الْقدر غَايَة تنقيصهم وهضمهم ونزول أقدارهم وَعدم تمييزهم عَن الْمَسَاكِين الْفُقَرَاء فتنفر نُفُوسهم من تَجْرِيد التَّوْحِيد أَشد النفار وَيَقُولُونَ {أجعَل الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا إِن هَذَا لشَيْء عُجاب} وتربهم تَجْرِيد الْمُتَابَعَة للرسول وَمَا جَاءَ بِهِ وتقديمه على آراء الرِّجَال فِي صُورَة تنقيص الْعلمَاء وَالرَّغْبَة عَن أَقْوَالهم وَمَا فهموه عَن الله وَرَسُوله وَإِن هَذَا إساءة أدب عَلَيْهِم وَتقدم بَين أَيْديهم وَهُوَ مفض إِلَى إساءة الظَّن بهم وانهم قد فاتهم الصَّوَاب وَكَيف لنا قُوَّة أَن نرد عَلَيْهِم ونفوز ونحظى بِالصَّوَابِ دونهم فتنفر من ذَلِك أَشد النفار وَتجْعَل كَلَامهم هُوَ الْمُحكم الْوَاجِب الِاتِّبَاع وَكَلَام الرَّسُول هُوَ الْمُتَشَابه الَّذِي يعرض على أَقْوَالهم فَمَا وافقها قبلناه وَمَا خالفها رددناه أَو أولناه أَو فوضناه وتقسم النَّفس السحارة بِاللَّه إِن أردنَا إِلَّا إحسانا وتوفيقا أُولَئِكَ الَّذين يعلم الله مَا فِي قُلُوبهم
المعيشي والمداراة والمداهنة الَّتِي بهَا اندراج حَال صَاحبهَا ومشيه بَين النَّاس فَمَتَى أخْلص أَعماله وَلم يعْمل لأحد شَيْئا تجنبوهم وتجنبوه وأبغضهم وأبغضوه وعاداهم وعادوه وَسَار على جادة فينفر من ذَلِك أَشد النفار وغايته أَن يخلص فِي الْقدر الْيَسِير من أَعماله الَّتِي لَا تتَعَلَّق بهم وَسَائِر أَعماله لغير الله