فالجيوش الإسلامية كلهَا تَحت لوائه ناظرة إِلَيْهِ إِن ثَبت ثبتَتْ وَإِن انهزم ولت على أدبارها ثمَّ أُمَرَاء هَذَا الْجَيْش ومقدمو عساكره شعب الْإِيمَان الْمُتَعَلّقَة بالجوارح على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَالْجهَاد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر ونصيحة الْخلق وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم بأنواع الْإِحْسَان وشعبه الْبَاطِنَة الْمُتَعَلّقَة بِالْقَلْبِ كالإخلاص والتوكل والإنابة وَالتَّوْبَة والمراقبة وَالصَّبْر والحلم والتواضع والمسكنة وامتلاء الْقلب من محبَّة الله وَرَسُوله وتعظيم أوَامِر الله وحقوقه والغيرة لله وَفِي الله والشجاعة والعفة والصدق والشفقة وَالرَّحْمَة وملاك ذَلِك كُله الْإِخْلَاص والصدق فَلَا يتعب الصَّادِق المخلص فقد أقيم على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فيسار بِهِ وَهُوَ رَاقِد وَلَا يتعب من حرم الصدْق وَالْإِخْلَاص فقد قطعت عَلَيْهِ الطَّرِيق واستهوته الشَّيَاطِين فِي الأَرْض حيران فَإِن شَاءَ فليعمل وَإِن شَاءَ فليترك فَلَا يزِيدهُ عمله من الله إِلَّا بعدا وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا كَانَ لله وَبِاللَّهِ فَهُوَ من جند النَّفس المطمئنة
وَأما النَّفس الأمارة فَجعل الشَّيْطَان قرينها وصاحبها الَّذِي يَليهَا فَهُوَ يعدها ويمنيها ويقذف فِيهَا الْبَاطِل ويأمرها بالسوء ويزينه لَهَا ويطيل فِي الأمل ويريها الْبَاطِل فِي صُورَة تقلبها وتستحسنها ويمدها بأنواع الْإِمْدَاد الْبَاطِل من الْأَمَانِي الكاذبة والشهوات الْمهْلكَة ويستعين عَلَيْهَا بهواها وإرادتها فَمِنْهُ يدْخل عَلَيْهَا كل مَكْرُوه فَمَا اسْتَعَانَ على النُّفُوس بِشَيْء هُوَ أبلغ من هَواهَا وإرادتها إِلَيْهِ وَقد علم ذَلِك إخوانه من شياطين الْإِنْس فَلَا يستعينون على الصُّور الممنوعة مِنْهُم بِشَيْء أبلغ من هواهم وإرادتهم فَإِذا أعيتهم صُورَة طلبُوا بجهدهم مَا تحبه وتهواه ثمَّ طلبُوا بجهدهم تَحْصِيله فاصطادوا تِلْكَ الصُّورَة فَإِذا فتحت لَهُم النَّفس بَاب الْهوى دخلُوا مِنْهُ فجلسوا خلال الديار فعاثوا وأفسدوا وفتكوا وَسبوا وفعلوا مَا يَفْعَله الْعَدو بِبِلَاد عدوه إِذا نحكم فِيهَا فهدموا معالم الْإِيمَان وَالْقُرْآن وَالذكر وَالصَّلَاة وخربوا الْمَسَاجِد وعمروا البيع وَالْكَنَائِس والحانات والمواخير وقصدوا إِلَى الْملك فأسروا وسلبوه ملكه ونقلوه من عبَادَة الرَّحْمَن إِلَى عبَادَة البغايا والأوثان وَمن عز الطَّاعَة إِلَى ذل الْمعْصِيَة وَمن السماع الرحماني إِلَى السماع الشيطاني وَمن الاستعداد للقاء رب الْعَالمين إِلَى الاستعداد للقاء إخْوَان الشَّيَاطِين فَبينا هُوَ يُرَاعى حُقُوق الله وَمَا أمره بِهِ إِذْ صَار يرْعَى الْخَنَازِير وَبينا هُوَ منتصب لخدمة الْعَزِيز الرَّحِيم إِذْ صَار منتصبا لخدمة كل شَيْطَان رجيم
وَالْمَقْصُود أَن الْملك قرين النَّفس المطمئنة والشيطان قرين الأمارة وَقد روى أَبُو الْأَحْوَص عَن عَطاء بن السَّائِب عَن مرّة عَن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله