إِلَيْهِ والإقبال عَلَيْهِ والشوق إِلَيْهِ والأنس بِهِ فَإِذا عدم الْقلب ذَلِك كَانَ أَشد عذَابا واضطرابا من الْعين الَّتِي فقدت النُّور والباصر من اللِّسَان الَّذِي فقد قُوَّة الْكَلَام والذوق وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى الطُّمَأْنِينَة بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَو نَالَ من الدُّنْيَا وأسبابها وَمن الْعُلُوم مَا نَالَ إِلَّا بَان يكون الله وَحده هُوَ محبوبه وإلهه ومعبوده وَغَايَة مَطْلُوبه وَإِن يكون هُوَ وَحده مستعانه على تَحْصِيل ذَلِك فحقيقة الْأَمر أَنه لَا طمأنينه لَهُ بِدُونِ التحقق بإياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين وأقوال الْمُفَسّرين فِي الطُّمَأْنِينَة ترجع إِلَى ذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا المطمئنة المصدقة وَقَالَ قَتَادَة هُوَ الْمُؤمن اطمأنت نَفسه إِلَى مَا وعد الله وَقَالَ الْحسن المصدقة بِمَا قَالَ الله تَعَالَى وَقَالَ مُجَاهِد هِيَ النَّفس الَّتِي أيقنت بِأَن الله رَبهَا الْمسلمَة لأمر فِيمَا هُوَ فَاعل بهَا وروى مَنْصُور عَنهُ قَالَ النَّفس الَّتِي أيقنت أَن الله رَبهَا وَضربت جاشا لأَمره وطاعته وَقَالَ ابْن أبي نجيح عَنهُ النَّفس المطمئنة المختة إِلَى الله وَقَالَ أَيْضا هِيَ الَّتِي أيقنت بلقاء الله فَكَلَام السّلف فِي المطمئنة يَدُور على هذَيْن الْأَصْلَيْنِ طمأنينة الْعلم وَالْإِيمَان وطمأنينة الْإِرَادَة وَالْعَمَل
إِلَى الذّكر وَمن الْخِيَانَة إِلَى التَّوْبَة وَمن الرثاء إِلَى الْإِخْلَاص وَمن الْكَذِب إِلَى الصدْق وَمن الْعَجز إِلَى الْكيس وَمن صولة الْعجب إِلَى ذلة الاخبات وَمن التيه إِلَى التَّوَاضُع وَمن الفتور إِلَى الْعَمَل فقد بإشرت روح الطُّمَأْنِينَة وأصل ذَلِك كُله ومنشؤه من الْيَقَظَة فَهِيَ أول مَفَاتِيح الْخَيْر فَإِن الغافل عَن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بِمَنْزِلَة النَّائِم بل أَسْوَأ حَالا مِنْهُ فَإِن الْعَاقِل يعلم وعد الله ووعيده وَمَا تتقاضاه أوَامِر الرب تَعَالَى ونواهيه وَأَحْكَامه من الْحُقُوق لَكِن يَحْجُبهُ عَن حَقِيقَة الْإِدْرَاك ويقعده عَن الِاسْتِدْرَاك سنة الْقلب وَهِي غفلته الَّتِي رقد فِيهَا فطال رقوده وركد وأخلد إِلَى نوازع الشَّهَوَات فإشتد إخلاده وركوده وانغمس فِي غمار الشَّهَوَات واستولت عَلَيْهِ الْعَادَات ومخالطة أهل البطالات وَرَضي بالتشبه بِأَهْل إِضَاعَة الْأَوْقَات فَهُوَ فِي رقاده مَعَ النائمين وَفِي سكرته مَعَ المخمورين فَمَتَى انْكَشَفَ عَن قلبه سنة هَذِه الْغَفْلَة بزجرة من زواجر الْحق فِي قلبه اسْتَجَابَ فِيهَا لواعظ الله فِي قلب عَبده الْمُؤمن أَو همة عَلَيْهِ أثارها معول الْفِكر فِي الْمحل الْقَابِل فَضرب بمعول فكره وَكبر تَكْبِيرَة أَضَاءَت لَهُ مِنْهَا قُصُور الْجنَّة فَقَالَ
أَلا يَا نفس وَيحك ساعديني ... يسْعَى مِنْك فِي ظلم اللَّيَالِي
لَعَلَّك فِي الْقِيَامَة أَن تفوزي ... بِطيب الْعَيْش فِي تِلْكَ العلالي