فِيهِ حجم المرئي ومقداره لزم اجْتِمَاع المثلين وَإِذا جَازَ هُنَاكَ فَلم لَا يجوز مثله فِي مسئتنا وَإِن كَانَ إِدْرَاك الشَّيْء لَا يتَوَقَّف على حُصُول صُورَة المرئي فِي الرَّائِي بَطل قَوْلكُم أَن إِدْرَاك الْقلب والدماغ يتَوَقَّف على حُصُول صُورَة الْقلب والدماغ فِي الْقُوَّة الْعَاقِلَة
وَأَيْضًا فقولكم لَو كَانَت الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة حَالَة فِي جسم لوَجَبَ أَن تكون دائمة الْإِدْرَاك لذَلِك الْجِسْم لَكِن إدراكنا لقلبنا ودماغنا غير دَائِم فَهَذَا إِنَّمَا يلْزم من يَقُول أَنَّهَا حَالَة فِي الْقلب أَو الدِّمَاغ وَأما من يَقُول أَنَّهَا حَالَة فِي جسم مَخْصُوص وَهُوَ النَّفس وَهِي مشابكة للبدن فَهَذَا الْإِلْزَام غير وَارِد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقُول النَّفس جسم مَخْصُوص وَالْإِنْسَان أبدا عَالم بِأَنَّهُ جسم مَخْصُوص وَلَا يَزُول ذَلِك عَن عقله إِلَّا إِذا عرضت لَهُ الْغَفْلَة فَسَقَطت الشُّبْهَة الَّتِي عولتم عَلَيْهَا على كل تَقْدِير
مَاهِيَّة الْمَعْلُوم عِنْد الْعَالم وَهَذَا إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَت النَّفس غنية عَن الْمحل إِلَى آخِره
جَوَابه أَن ذَلِك مبْنى على الأَصْل الْمُتَقَدّم وَهُوَ أَن الْعلم عبارَة عَن حُصُول صُورَة مُسَاوِيَة للمعلوم فِي نفس الْعَالم وَهَذَا بَاطِل من وُجُوه كَثِيرَة مَذْكُورَة فِي مَسْأَلَة الْعلم حَتَّى لَو سلم ذَلِك فالصورة الْمَذْكُورَة شرطا فِي حُصُول الْعلم لَا أَنَّهَا نفس الْعلم
وَأَيْضًا فَهَذِهِ الشُّبْهَة مَعَ ركاكة ألفاظها وَفَسَاد مقدماتها منقوضة فَإنَّا إِذا أَخذنَا حجرا أَو خَشَبَة قُلْنَا هَذَا جَوْهَر قَائِم بِنَفسِهِ فذاته حَاضِرَة عِنْد ذَاته فَيجب فِي هَذِه الجمادات أَن تكون عَالِمَة بذواتها
وَأَيْضًا فَجَمِيع الْحَيَوَانَات مدركة لذواتها فَلَو كَانَ كَون الشَّيْء مدْركا لذاته تَقْتَضِي كَون ذَاته جوهرا مُجَردا لزم كَون نفوس الْحَيَوَانَات بأسرها جَوَاهِر مُجَرّدَة وَأَنْتُم لَا تَقولُونَ بذلك
إِلَى آخِره وَهُوَ شُبْهَة أَبى البركات الْبَغْدَادِيّ فشبهة داحضة جدا فَإِنَّهَا مَبْنِيَّة على أَن تِلْكَ المتخيلات أُمُور مَوْجُودَة وَأَنَّهَا منطبعه فِي النَّفس فِي مَحَله وَمَعْلُوم قطعا أَن هَذِه المخيلات لَا حَقِيقَة لَهَا فِي ذَاتهَا وَغنما الذِّهْن يفرضها تَقْديرا وَلَيْسَت منطبعة فِي النَّفس فَإِن الْعُلُوم الخارجية لَا تنطبع صورها فِي النَّفس فَكيف بالخيالات المعدومة فَهَذِهِ مندحضة وَلَا يمْنَع من وُقُوع