تَعَالَى وَصِفَاته وَأَنه وجود مُجَرّد لَا صفة لَهُ وَلَا مَاهِيَّة وَهَذَا قَول باينتم بِهِ الْعُقُول وَجَمِيع الْكتب الْمنزلَة من السَّمَاء وَإِجْمَاع الرُّسُل ونفيتم بِهِ علم الله وَقدرته ومشيئته وسَمعه وبصره وعلوه على خلقه ونفيتم بِهِ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام وسميتموه توحيدا وَهُوَ أصل كل تَعْطِيل
قَالُوا والنقطة الَّتِي استدللتم بهَا هِيَ من أظهر مَا يبطل دليلكم فَإِنَّهَا غير منقسمة وَهِي حَالَة فِي الْجِسْم المنقسم فقد حل فِي المنقسم مَا لَيْسَ بمنقسم ثمَّ إِن مثبتي الْجَوْهَر الْفَرد وهم جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين ينازعونكم فِي هَذَا الأَصْل وَيَقُولُونَ الْجَوْهَر حَال فِي الْجِسْم بل هُوَ مركب مِنْهُ فقد حل فِي المنقسم مَا لَيْسَ بمنقسم وَلَا يُمكن تتميم دليلكم إِلَّا بِنَفْي الْجَوْهَر الْفَرد فَإِن قُلْتُمْ النقطة عبارَة عَن نِهَايَة الْخط وفنائه وَعَدَمه فَهِيَ أَمر عدمي بَطل استدلالكم بهَا وَإِن كَانَت أمرا وجوديا فقد حلت فِي المنقسم فَبَطل الدَّلِيل على التَّقْدِيرَيْنِ
قَالُوا أَيْضا فَلم لَا يكون الْعلم حَالا فِي مَحَله لَا على وَجه النَّوْع والسريان فَإِن حُلُول كل شَيْء فِي مَحَله يحسبه فحلول الْحَيَوَان فِي الدَّار نوع وحلول الْعرض فِي الْجِسْم نوع وحلول الْخط فِي الْكتاب نوع وحلول الدّهن فِي السمسم نوع وحلول الْجِسْم فِي الْعرض نوع وحلول الرّوح فِي الْبدن نوع وحلول الْعُلُوم والمعارف فِي النَّفس نوع
قَالُوا وَأَيْضًا فالوحدة حَاصِلَة فَإِن كَانَت جوهرا فقد ثَبت الْجَوْهَر الْفَرد بَطل دليلكم فَإِنَّهُ لَا يتم إِلَّا بنفيه وَإِن كَانَ عرضا وَجب أَن يكون لَهَا مَحل فمحلها إِن كَانَ منقسما فقد جَازَ قيام غير المنقسم بالمنقسم فَهُوَ الْجَوْهَر وَبَطل الدَّلِيل فَإِن قُلْتُمْ الواحده أَمر عدمي لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج فَكَذَلِك أثبتم بِهِ وجود مَالا يَنْقَسِم كلهَا أُمُور عدمية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج فَإِن وَاجِب الْوُجُود الَّذِي أثبتموه أَمر عدمي بل مُسْتَحِيل الْوُجُود
قَالُوا وَأَيْضًا فالإضافات عارضة لَا أَقسَام مثل الْفَوْقِيَّة والتحتية والمالكية والمملوكية فَلَو انقسم الْحَال بانقسام مَحَله لزم انقسام هَذِه الإضافات فَكَانَ يكون لحقيقة الْفَوْقِيَّة والتحتية ربع وَثمن وَهَذَا لَا يقبله الْعقل
قَالُوا وَأَن الْقُوَّة الوهمية والفكرية جسمانية عِنْد زعيمكم ابْن سيناء فَيلْزم أَن يحصل لَهَا أَجزَاء وأبعاض وَذَلِكَ محَال لِأَنَّهَا لَو انقمست لَكَانَ كل وَاحِد من أبعاضها إِن كَانَ مثلهَا كَانَ الْجُزْء مُسَاوِيا للْكُلّ وَإِن لم يكن مثلهَا لم تكن تِلْكَ الْأَجْزَاء كَذَلِك
وَأَيْضًا فَإِن الْوَهم لَا معنى لَهُ إِلَّا كَون هَذَا صديقا وَهَذَا عدوا وَذَلِكَ لَا يقبل الْقِسْمَة
قَالُوا وَأَن الْوُجُود أَمر زَائِد على الماهيات عنْدكُمْ فَلَو لزم انقسام الْحَال لانقسام مَحَله