الثَّانِي أَن مصدر الْفِعْل هُوَ النَّفس فَلَو كَانَت النَّفس مُتَعَلقَة فِي قوامها ووجودها بالجسم لم تحصل تِلْكَ الْأَفْعَال إِلَّا بشركة من الْجِسْم وَلما ثَبت أَنه لَيْسَ كَذَلِك ثَبت أَن الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة غنية عَن الْجِسْم
الْعَاشِر أَن الْقُوَّة الجسمانية تكل بِكَثْرَة الْأَفْعَال وَلَا تقوى بعد الضعْف وَسَببه ظَاهر فَإِن القوى الجسمانية بِسَبَب مزاولة الْأَفْعَال تتعرض موادها للتحلل والذبول وَهُوَ يُوجب الضعْف وَأما الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة فَإِنَّهَا لَا تضعف بِسَبَب كَثْرَة الْأَفْعَال وتقوى على القوى بعد الضعْف فَوَجَبَ أَن لَا تكون جسمانية
الْحَادِي عشر أَنا إِذا حكمنَا بِأَن السوَاد مضاد للبياض وَجب أَن يحصل فِي الذِّهْن مَاهِيَّة السوَاد وَالْبَيَاض والبداهة حاكمة بِأَن اجْتِمَاع السوَاد وَالْبَيَاض والحرارة والبرودة فِي الْأَجْسَام محَال فَلَمَّا حصل هَذَا الِاجْتِمَاع فِي الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة وَجب أَن لَا تكون قُوَّة جسمانية
الثَّانِي عشر أَنه لَو كَانَ مَحل الإدراكات جسما وكل جسم منقسم لَا محَالة لم يمْنَع أَن يقوم بِبَعْض أَجزَاء الْجِسْم علم بالشَّيْء وبالبعض الآخر مِنْهُ جهل وَحِينَئِذٍ فَيكون الْإِنْسَان فِي الْحَال الْوَاحِد عَالما بالشَّيْء وجاهلا بِهِ
الثَّالِث عشر أَن الْمَادَّة الجسمانية إِذا حصلت فِيهَا نقوش مَخْصُوصَة فَإِن وجود تِلْكَ النقوش فِيهَا يمْنَع من حُصُول نقوش غَيرهَا وَأما النقوش الْعَقْلِيَّة فالضد من ذَلِك لِأَن الْأَنْفس إِذا كَانَت خَالِيَة من جَمِيع الْعُلُوم والإدراكات فَإِنَّهُ يصعب عَلَيْهَا التَّعَلُّم فَإِذا تعلمت شَيْئا صَار حُصُول تِلْكَ الْعُلُوم معينا على سهولة غَيرهَا فالنقوش الجسمانية متغيرة متنافية والنقوش الْعَقْلِيَّة متعاونة متعاضدة
الرَّابِع عشر أَن النَّفس لَو كَانَت جسما لَكَانَ بَين إِرَادَة العَبْد تَحْرِيك رجله وَبَين تحريكها زمَان على قدر حَرَكَة الْجِسْم وَثقله فَإِن النَّفس هِيَ المحركة لمجسد والممهد لحركته فَلَو كَانَ المحرك للرجل جسما فإمَّا أَن يكون حَاصِلا فِي هَذِه الْأَعْضَاء أَو جائيا إِلَيْهَا فَإِن كَانَ جائيا إِلَيْهَا احْتَاجَ إِلَى مُدَّة وَلَا بُد وَإِن كَانَ حَاصِلا فِيهَا فَنحْن إِذا قَطعنَا تِلْكَ العضلة الَّتِي تكون بهَا الْحَرَكَة لم يبْق مِنْهَا فِي الْعُضْو المتحرك شَيْء فَلَو كَانَ ذَلِك المتحرك حَاصِلا فِيهِ لبقي مِنْهُ شَيْء فِي ذَلِك الْعُضْو
الْخَامِس عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لكَانَتْ منقسمة ولصح عَلَيْهَا أَن يعلم بَعْضهَا كَمَا يعلم كلهَا فَيكون الْإِنْسَان عَالما بعض نَفسه جَاهِلا بِالْبَعْضِ الآخر وَذَلِكَ محَال
السَّادِس عشر لَو كَانَت النَّفس لوَجَبَ أَن يثقل الْبدن بِدُخُولِهَا فِيهِ لِأَن شَأْن