وَقَالَ قَائِلُونَ لَيْسَ الرّوح شَيْئا أَكثر من اعْتِدَال الطبائع الْأَرْبَع وَلم يرجِعوا من قَوْلهم اعْتِدَال إِلَّا إِلَى المعتدل وَلم يثبتوا فِي الدُّنْيَا شَيْئا إِلَّا الطبائع الْأَرْبَع الَّتِي هِيَ الْحَرَارَة والبرودة والرطوبة واليبوسة
وَقَالَ قَائِلُونَ أَن الرّوح معنى خَامِس غير الطبائع الْأَرْبَع وَأَنه لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا الطبائع الْأَرْبَع وَالروح وَاخْتلفُوا فِي أَعمال الرّوح فثبتها بَعضهم طباعا وثبتها بَعضهم اخْتِيَارا وَقَالَ قَائِلُونَ الرّوح الدَّم الصافي الْخَالِص من الكدر والعفونات وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْقُوَّة
وَقَالَ قَائِلُونَ الْحَيَاة هِيَ الْحَرَارَة الغريزية وكل هَؤُلَاءِ الَّذين حكينا أَقْوَالهم فِي الرّوح من أَصْحَاب الطبائع يثبتون أَن الْحَيَاة هِيَ الرّوح
وَكَانَ الْأَصَم لَا يثبت للحياة وَالروح شَيْئا غير الْجَسَد وَيَقُول لَيْسَ أَعقل إِلَّا الْجَسَد الطَّوِيل العريض العميق الَّذِي أرَاهُ وأشاهده وَكَانَ يَقُول النَّفس هِيَ هَذَا الْبدن بِعَيْنِه لَا غير وَإِنَّمَا جرى عَلَيْهَا هَذَا الذّكر على جِهَة الْبَيَان والتأكيد بِحَقِيقَة الشَّيْء لَا على أَنَّهَا معنى غير الْبدن
وَذكر عَن أرسططا لَيْسَ أَن النَّفس معنى مُرْتَفع عَن الْوُقُوع تَحت التَّدْبِير والنشوء والبلى غير دَائِرَة وَأَنَّهَا جَوْهَر بسيط منبث فِي الْعَالم كُله من الْحَيَوَان على جِهَة الْأَعْمَال لَهُ وَالتَّدْبِير وَأَنه لَا تجوز عَلَيْهِ صفة قلَّة وَلَا كَثْرَة قَالَ وَهِي على مَا وصفت من انبساطها فِي هَذَا الْعَالم غير منقسمة الذَّات والبنية وَأَنَّهَا فِي كل حَيَوَان الْعَالم بِمَعْنى وَاحِد لَا غير
وَقَالَ آخَرُونَ بل النَّفس معنى مَوْجُود ذَات حُدُود وأركان وَطول وَعرض وعمق وَأَنَّهَا غير مُفَارقَة فِي هَذَا الْعَالم لغَيْرهَا مِمَّا يجْرِي عَلَيْهِ حكم الطول وَالْعرض والعمق وكل وَاحِد مِنْهُمَا يجمعهما صفة الْحَد وَالنِّهَايَة وَهَذَا قَول طَائِفَة من الثنوية يُقَال لَهُم المثانية
وَقَالَت طَائِفَة أَن النَّفس مَوْصُوفَة بِمَا وصفهَا هَؤُلَاءِ الَّذين قدمنَا ذكرهم من معنى