{وأشهدهم على أنفسهم} أَي ويشهدهم مِمَّا رَكبه فيهم من الْعقل الذى يكون بِهِ الْفَهم وَيجب بِهِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب وكل من ولد وَبلغ الْحِنْث وعقل الضّر والنفع وَفهم الْوَعْد والوعيد وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب صَار كَأَن الله تَعَالَى أَخذ عَلَيْهِ الْمِيثَاق فِي التَّوْحِيد بِمَا ركب فِيهِ من الْعقل وَأرَاهُ من الْآيَات والدلائل على حُدُوثه وَأَنه لَا يجوز أَن يكون قد خلق نَفسه وَإِذا لم يجز ذَلِك فَلَا بُد لَهُ من خَالق هُوَ غَيره لَيْسَ كمثله وَلَيْسَ من مَخْلُوق يبلغ هَذَا الْمبلغ وَلم يقْدَح فِيهِ مَانع من فهم إِلَّا إِذا حز بِهِ أَمر يفزع إِلَى الله عز وَجل حِين يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَيُشِير إِلَيْهَا بإصبعه علما مِنْهُ بِأَن خالقه تَعَالَى فَوْقه وَإِذا كَانَ الْعقل الذى مِنْهُ الْفَهم والإفهام مُؤديا إِلَى معرفَة مَا ذكرنَا ودالا عَلَيْهِ فَكل من بلغ هَذَا الْمبلغ فقد أَخذ عَلَيْهِ الْعَهْد والميثاق وَجَائِز أَن يُقَال لَهُ قد أقرّ وأذعن وَأسلم كَمَا قَالَ الله عز وَجل وَللَّه يسْجد من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها
قَالَ وَاحْتَجُّوا بقوله رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث عَن الصبى حَتَّى يَحْتَلِم وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق وَعَن النَّائِم حَتَّى ينتبه وَقَوله عز وَجل إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فأبين أَن يحملنها وأشفقن مِنْهَا ثمَّ قَالَ تَعَالَى وحلمها الْإِنْسَان الْأَمَانَة هَا هُنَا عهد وميثاق فامتناع السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال من حمل الْأَمَانَة لأجل خلوها من الْعقل الذى يكون بِهِ الْفَهم والإفهام وَحمل الْإِنْسَان إِيَّاهَا لمَكَان الْعقل فِيهِ قَالَ وللعرب فِيهَا ضروب نظم فَمِنْهَا قَوْله
ضمن القنان الفقعس بثباتها ... ان القنان لفقعس لَا يأتلى
والفنان جبل فَذكر أَنه قد ضمن لفقعس وضمانه لَهَا أَنهم كَانُوا إِذا حزبهم أَمر من هزيمَة أَو خوف لجأوا إِلَيْهِ فَجعل ذَلِك كالضمان لَهُم وَمِنْه قَول النَّابِغَة
كأرجاف الجولان هلل ربه ... وجوران مِنْهَا خاشع متضائل
وأرجاف الجولان جبالها وجوران الأَرْض الَّتِي إِلَى جَانبهَا وَقَالَ هَذَا الْقَائِل إِن فِي قَوْله تَعَالَى {أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين أَو تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا}