وَالصُّورَة الثَّانِيَة إِن يُقَال لَا ينْتَفع بِإِسْلَام الْغَيْر وتوبته عَنهُ فَلَا ينْتَفع بِصَلَاتِهِ وصيامه وقراءته عَنهُ
وَمَعْلُوم أَن هَذَا التلازم والإقران بَاطِل قطعا
أما أَولا فُلَانُهُ قِيَاس مصادم لما تظاهرت بِهِ النُّصُوص وَاجْتمعت عَلَيْهِ الْأمة
وَأما ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ جمع بَين مَا فرق الله بَينه فَإِن الله سُبْحَانَهُ فرق بَين إِسْلَام الْمَرْء عَن غَيره وَبَين صدقته وحجه وعتقه عَنهُ فَالْقِيَاس المسوى بَينهمَا من جنس قِيَاس الَّذين قاسوا الْميتَة على المذكى والربا على البيع
وَأما ثَالِثا فَإِن الله سُبْحَانَهُ جعل الْإِسْلَام سَببا لنفع الْمُسلمين بَعضهم بَعْضًا فِي الْحَيَاة وَبعد الْمَوْت فَإِذا لم يَأْتِ بِسَبَب انتفاعه بِعَمَل الْمُسلمين لم يحصل لَهُ ذَلِك النَّفْع كَمَا قَالَ النَّبِي لعَمْرو إِن أَبَاك لَو كَانَ أقرّ بِالتَّوْحِيدِ فَصمت أَو تَصَدَّقت عَنهُ نَفعه ذَلِك وَهَذَا كَمَا جعل سُبْحَانَهُ الْإِسْلَام سَببا لانتفاع العَبْد مِمَّا عمل من خير فَإِذا فَاتَهُ هَذَا السَّبَب لم يَنْفَعهُ خير عمله وَلم يقبل مِنْهُ كَمَا جعل الْإِخْلَاص والمتابعة سَببا لقبُول الْأَعْمَال فَإِذا فقد لم تقبل الْأَعْمَال وكما جعل الْوضُوء وَسَائِر شُرُوط الصَّلَاة سَببا لصحتها فَإِذا فقدت فقدت الصِّحَّة وَهَذَا شَأْن سَائِر الْأَسْبَاب مَعَ مسبباتها الشَّرْعِيَّة والعقلية والحسية فَمن سوى بني حَالين وجود السَّبَب وَعَدَمه فَهُوَ مُبْطل
وَنَظِير هَذَا الهوس أَن يُقَال لَو قبلت الشَّفَاعَة فِي العصاة لقبلت فِي الْمُشْركين وَلَو خرج أهل الْكَبَائِر من الْمُوَحِّدين من النَّار لخرج الْكفَّار مِنْهَا وأمثال ذَلِك من الأقيسة الَّتِي هِيَ من نجاسات معد أَصْحَابهَا ورجيع أَفْوَاههم
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأولى بِأَهْل الْعلم الْأَعْرَاض عَن الِاشْتِغَال بِدفع هَذِه الهذيانات لَوْلَا أَنهم قد سودوا بهَا صحف الْأَعْمَال والصحف الَّتِي بَين النَّاس
إِلَى الْمَيِّت
وَنَوع لَا تدخله فَلَا يصل ثَوَابه
فَهَذَا هُوَ نفس الْمَذْهَب وَالدَّعْوَى فَكيف تحتجون بِهِ وَمن أَيْن لكم هَذَا الْفرق فَأَي كتاب أم أَي سنة أم أَي اعْتِبَار دلّ عَلَيْهِ حَتَّى يجب الْمصير إِلَيْهِ