وَبَين الْأَمريْنِ من الْفرق مَالا يخفي فَأخْبر تَعَالَى أَنه لَا يملك إِلَّا سَعْيه وَأما سعى غَيره فَهُوَ ملك لساعيه فَإِن شَاءَ أَن يبذله لغيره وَإِن شَاءَ أَن يبقيه لنَفسِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لم يقل لَا ينْتَفع إِلَّا بِمَا سعى وَكَانَ شَيخنَا يخْتَار هَذِه الطَّرِيقَة ويرجحها
{لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت} وَقَوله {وَلَا تُجْزونَ إِلَّا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} على أَن هَذِه الْآيَة أصرح فِي الدّلَالَة على أَن سياقها وَإِنَّمَا يَنْفِي عُقُوبَة العَبْد بِعَمَل غَيره وَأَخذه بجريرته فَإِن الله سُبْحَانَهُ قَالَ {فاليوم لَا تظلم نفس شَيْئا وَلَا تُجْزونَ إِلَّا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فنفي أَن يظلم بِأَن يُزَاد عَلَيْهِ فِي سيئاته أَو ينقص من حَسَنَاته أَو يُعَاقب بِعَمَل غَيره وَلم ينف أَن ينْتَفع بِعَمَل غَيره لَا على وَجه الْجَزَاء فَإِن انتفاعه بِمَا يهدى إِلَيْهِ لَيْسَ جَزَاء على عمله وَإِنَّمَا هُوَ صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْهِ وتفضل بهَا عَلَيْهِ من غير سعى مِنْهُ بل وهبه ذَلِك على يَد بعض عباده لَا على وَجه الْجَزَاء
فانه لم يقل انْقَطع انتفاعه وَإِنَّمَا أخبر عَن انْقِطَاع عمله وَأما عمل غَيره فَهُوَ لعامله فان وهبه لَهُ وصل إِلَيْهِ ثَوَاب عمل الْعَامِل لَا ثَوَاب عمله هُوَ فالمنقطع شَيْء والواصل إِلَيْهِ شَيْء آخر وَكَذَلِكَ الحَدِيث الآخر وَهُوَ قَوْله إِن مِمَّا يلْحق الْمَيِّت من حَسَنَاته وَعَمله فَلَا يَنْفِي أَن يلْحقهُ غير ذَلِك من عمل غَيره وحسناته
الْمَخْلُوق على الْمَخْلُوق
وَأما حِوَالَة الْمَخْلُوق على الْخَالِق فَأمر آخر لَا يَصح قياسها على حِوَالَة العبيد بَعضهم على بعض وَهل هَذَا إِلَّا من أبطل الْقيَاس وأفسده وَالَّذِي يُبطلهُ إِجْمَاع الْأمة على انتفاعه بأَدَاء دينه وَمَا عَلَيْهِ من الْحُقُوق وإبراء الْمُسْتَحق لذمته وَالصَّدَََقَة وَالْحج عَنهُ بِالنَّصِّ الَّذِي لَا سَبِيل إِلَى رده وَدفعه وَكَذَلِكَ الصَّوْم وَهَذِه الأقيسة الْفَاسِدَة لَا تعَارض نُصُوص الشَّرْع وقواعده
فَكيف الإيثار الثَّوَاب بِنَفس الَّذِي هُوَ الْغَايَة فقد أُجِيب عَنهُ بأجوبة