علما أَو أكرى نَهرا أَو حفر بِئْرا أَو غرس نخلا أَو بنى مَسْجِدا أَو ورث مُصحفا أَو ترك ولدا صَالحا يسْتَغْفر لَهُ بعد مَوته
وَهَذَا يدل على أَن مَا عدا ذَلِك لَا يحصل لَهُ مِنْهُ ثَوَاب وَإِلَّا لم يكن للحصر معنى
قَالُوا والإهداء حِوَالَة وَالْحوالَة إِنَّمَا تكون بِحَق لَازم والأعمال لَا توجب الثَّوَاب وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد تفضل الله وإحسانه فَكيف يحِيل العَبْد على مُجَرّد الْفضل الَّذِي لَا يجب على الله بل إِن شَاءَ آتَاهُ وَإِن لم يَشَأْ لم يؤته وَهُوَ نَظِير حِوَالَة الْفَقِير على من يَرْجُو أَن يتَصَدَّق عَلَيْهِ وَمثل هَذَا لَا يَصح إهداؤه وهبته كصلة ترجى من ملك لَا لتحَقّق حُصُولهَا
قَالُوا وَأَيْضًا فالإيثار بِأَسْبَاب الثَّوَاب مَكْرُوه وَهُوَ الإيثار بِالْقربِ فَكيف الإيثار بِنَفس الثَّوَاب الَّذِي هُوَ غَايَة إِذا كره الإيثار بالوسيلة فالغاية أولى وَأَحْرَى
وَكَذَلِكَ كره الإِمَام أَحْمد التَّأَخُّر عَن الصَّفّ الأول وإيثار الْغَيْر بِهِ لما فِيهِ من الرَّغْبَة عَن سَبَب الثَّوَاب قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة حَنْبَل وَقد سُئِلَ عَن الرجل يتَأَخَّر عَن الصَّفّ الأول وَيقدم أَبَاهُ فِي مَوْضِعه قَالَ مَا يُعجبنِي هُوَ يقدر أَن يبر أَبَاهُ بِغَيْر هَذَا
قَالُوا أَيْضا لَو سَاغَ الإهداء إِلَى الْمَيِّت لساغ نقل الثَّوَاب والإهداء إِلَى الْحَيّ
وَأَيْضًا لَو سَاغَ ذَلِك لساغ لهَذَا نصف الثَّوَاب وربعه وقيراط مِنْهُ
وَأَيْضًا لَو سَاغَ ذَلِك لساغ إهداؤه بعد أَن يعمله لنَفسِهِ وَقد قُلْتُمْ أَنه لَا بُد أَن ينوى حَال الْفِعْل إهداءه إِلَى الْمَيِّت وَإِلَّا لم يصل إِلَيْهِ فَإِذا سَاغَ لَهُ نقل الثَّوَاب فَأَي فرق بَين أَن ينوى قبل الْفِعْل أَو بعده
وَأَيْضًا لَو سَاغَ الإهداء لساغ إهداء ثَوَاب الْوَاجِبَات على الْحَيّ كَمَا يسوغ إهداء ثَوَاب التطوعات الَّتِي يتَطَوَّع بهَا
قَالُوا وَإِن التكاليف امتحان وابتلاء لَا تقبل الْبَدَل فَإِن الْمَقْصُود مِنْهَا عين الْمُكَلف الْعَامِل الْمَأْمُور الْمنْهِي فَلَا يُبدل الْمُكَلف الممتحن بِغَيْرِهِ وَلَا يَنُوب غَيره عَنهُ فِي ذَلِك أَن الْمَقْصُود طَاعَته هُوَ نَفسه وعبوديته وَلَو كَانَ ينْتَفع بإهداء غَيره لَهُ من غير عمل مِنْهُ لَكَانَ أكْرم الأكرمين أولى بذلك وَقد حكم سُبْحَانَهُ أَنه لَا ينْتَفع إِلَّا بسعيه وَهَذِه سنته تَعَالَى فِي خلقه وقضاؤه كَمَا هِيَ سنته فِي أمره وشرعه فَإِن الْمَرِيض لَا يَنُوب عَنهُ غَيره فِي شرب الدَّوَاء والجائع والظمآن والعاري لَا يَنُوب عَنهُ غَيره فِي الْأكل وَالشرب واللباس قَالُوا وَلَو نَفعه عمل غَيره لنفعه تَوْبَته عَنهُ