مُخَالف لِلْعَقْلِ ونصوص الْكتاب وَالسّنة والفطرة وَهُوَ قَول من لم يعرف نَفسه وَسَيَأْتِي ذكر الْوُجُوه الدَّالَّة على بطلَان هَذَا القَوْل فِي مَوْضِعه من هَذَا الْجَواب إِن شَاءَ الله وَهُوَ قَول لم يقل بِهِ أحد من سلف الْأمة وَلَا من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَلَا أَئِمَّة الْإِسْلَام
الْأَبدَان فَهَذَا القَوْل فِيهِ حق وباطل
فَأَما الْحق فَمَا أخبر الصَّادِق المصدوق عَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء أَنَّهَا فِي حواصل طير خضر تأوي إِلَى قناديل معلقَة بالعرش هِيَ لَهَا كالأوكار للطائر وَقد صرح بذلك فِي قَوْله جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر
وَأما قَوْله نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة يحْتَمل أَن يكون هَذَا الطَّائِر مركبا للروح كالبدن لَهَا وَيكون ذَلِك لبَعض الْمُؤمنِينَ وَالشُّهَدَاء وَيحْتَمل أَن يكون الرّوح فِي صُورَة طَائِر وَهَذَا اخْتِيَار أَبى مُحَمَّد بن حزم وأبى عمر بن عبد الْبر وَقد تقدم كَلَام أَبى عمر وَالْكَلَام عَلَيْهِ وَأما ابْن حزم فانه قَالَ معنى قَوْله نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق هُوَ على ظَاهِرَة لَا على ظن أهل الْجَهْل وَإِنَّمَا أخبر أَن نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق بِمَعْنى أَنَّهَا تطير فِي الْجنَّة لَا أَنَّهَا تمسخ فى صُورَة الطير قَالَ فَإِن قيل إِن النَّسمَة مُؤَنّثَة قُلْنَا قد صَحَّ عَن عَرَبِيّ فصيح أَنه قَالَ أتتك كتابي فاستخففت بهَا فَقيل لَهُ أتؤنث الْكتاب قَالَ أوليس صحيفَة وَكَذَلِكَ النَّسمَة تذكر كَذَلِك قَالَ وَأما الزِّيَادَة الَّتِي فِيهَا أَنَّهَا فِي حواصل طير خضر فَإِنَّهَا صفة تِلْكَ الْقَنَادِيل الَّتِي تأوي إِلَيْهَا وَالْحَدِيثَانِ مَعًا حَدِيث وَاحِد وَهَذَا الَّذِي قَالَه فِي غَايَة الْفساد لفظا وَمعنى فَإِن حَدِيث نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة غير حَدِيث أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طير خضر وَالَّذِي ذكره مُحْتَمل فِي الحَدِيث الأول وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَلَا يحْتَملهُ بِوَجْه فَإِنَّهُ أخبر أَن أَرْوَاحهم فِي حواصل طير وَفِي لفظ فِي أَجْوَاف طير خضر وَفِي لفظ بيض وان تِلْكَ الطير تسرح فِي الْجنَّة فتأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها ثمَّ تأوي إِلَى قناديل تَحت الْعَرْش هِيَ لَهَا كالأوكار للطائر وَقَوله ان حواصل تِلْكَ الطير هِيَ صفة الْقَنَادِيل الَّتِي تأوي إِلَيْهَا خطأ قطعا بل تِلْكَ الْقَنَادِيل مأوى لتِلْك الطير فهاهنا ثَلَاثَة أُمُور صرح بهَا الحَدِيث أَرْوَاح وطير هِيَ فِي أجوافها وقناديل هِيَ مأوى لتِلْك الطير والقناديل مُسْتَقِرَّة تَحت الْعَرْش لَا تسرح وَالطير تسرح وَتذهب وتجيء والأرواح فِي أجوافها