وكان يعرف لنفسه قدرها، ولم تخل الحروب الشديدة التى وقعت له مع الأعراب مع مشاهد قوة، ولكنها كذلك لم تخل من دلائل رحمة وكرم وغفران، وكان محمد لا يعتذر من الأولى، ولا يفتخر بالثانية» .
إلى أن قال: «وما كان محمد بعابث قط، ولا شاب شيئا من قوله شائبة لعب ولهو، بل كان الأمر عنده أمر خسران وفلاح، ومسألة فناء وبقاء، ولم يكن منه بإزائها إلا الإخلاص الشديد، والجد المرير. فأما التلاعب بالأقوال، والقضايا المنطقية، والعبث بالحقائق- فما كان من شأنه قط، وذلك عندى أفظع الجرائم؛ إذ ليس هو إلا رقدة القلب، ووسن العين عن الحق، وعيشة المرء فى مظاهر كاذبة.
وفى الإسلام خلّة أراها من أشرف الخلال وأجلها وهى التسوية بين الناس، وهذا يدل على أصدق النظر وأصوب الرأى؛ فنفس المؤمن رابطة بجميع دول الأرض، والناس فى الإسلام سواء» .
إلى أن قال: «وسع نوره الأنحاء، وعمّ ضوؤه الأرجاء، وعقد شعاعه الشمال بالجنوب، والمشرق بالمغرب، وما هو إلا قرن بعد هذا الحادث حتى أصبح لدولة العرب رجل فى الهند، ورجل فى الأندلس، وأشرقت دولة الإسلام حقبا عديدة، ودهورا مديدة بنور الفضل والنبل، والمروءة، والبأس، والنجدة، ورونق الحق والهدى على نصف المعمورة» (?) .