ذلك ألبتة، ولا سبيل إلى الوصول إلى السعادة والفوز الأكبر إلاّ بالعبور على هذا الجسم " (?) .
هل يمكن أن يستغني العقل عن الوحي:
يزعم الناس في عالم اليوم أنّه يمكنهم الاستغناء عن الرسل والرسالات بالعقول التي وهبهم الله إياها، ولذلك نراهم يسنُّون القوانين، ويحلُّون ويحرمون، ويخططون ويوجهون، ومستندهم في ذلك كلّه أن عقولهم تستحسن ذلك أو تقبحه، وترضى به أو ترفضه، وهؤلاء لهم سلف قالوا مثل مقالتهم هذه " فالبراهمة - وهم طائفة من المجوس - زعموا أن إرسال الرسل عبث، لا يليق بالحكيم، لإغناء العقل عن الرسل، لأنّ ما جاءت به الرسل إن كان موافقاً للعقل حسناً عنده فهو يفعله، وإن لم يأت به، وإن كان مخالفاً قبيحاً - فإن احتاج إليه فعله وإلاّ تركه " (?) .
ولا يجوز في مجال الحجاج والنزاع أن يبادر المسلم إلى إنكار قدرة العقل على إدراك الحسن والقبح، " فإنّ الله قد فطر عباده على الفرق بين الحسن والقبيح، وركب في عقولهم إدراك ذلك، والتمييز بين النوعين، كما فطرهم على الفرق بين النافع والضار والملائم لهم والمنافر، وركب في حواسهم إدراك ذلك، والتمييز بين أنواعه.
والفطرة الأولى: (وهي فطرته العباد على الفرق بين الحسن والقبيح) هي خاصة الإنسان التي تميز بها عن غيره من الحيوانات، وأما الفطرة الثانية (وهي فطرته للعباد على الفرق بين النافع والضار..) فمشتركة بين أصناف الحيوان " (?) والذي ينبغي أن ينازع فيه أمور:
الأول: أنّ هناك أموراً هي مصلحة الإنسان لا يستطيع الإنسان إدراكها