عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا

فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ - وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ - أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 44-50] .

يقول سيد قطب رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآيات الكريمة (?) : " لقد جاء كلّ دين من عند الله ليكون منهج حياة، منهج حياة واقعية، جاء الدين ليتولى قيادة الحياة البشرية، وتنظيمها، وتوجيهها، وصيانتها، ولم يجئ دين من عند الله ليكون مجرد عقيدة في الضمير، ولا ليكون مجرد شعائر تعبدية تؤدى في الهيكل والمحراب. فهذه وتلك - على ضرورتهما للحياة البشرية وأهميتها في تربية الضمير البشري - لا يكفيان وحدهما لقيادة الحياة وتنظيمها وتوجيهها وصيانتها، ما لم يقم على أساسها منهج ونظام وشريعة تطبق عملياً في حياة الناس، ويؤخذ بها بحكم القانون والسلطان، ويؤاخذ الناس على مخالفتها، ويؤخذون بالعقوبات.

والحياة البشرية لا تستقيم إلا إذا تلقت العقيدة والشعائر والشرائع من مصدر واحد يملك السلطان على الضمائر والسرائر، كما يملك السلطان على الحركة والسلوك، ويجزي الناس وفق شرائعه في الحياة الدنيا، كما يجزيهم وفق حسابه في الحياة الآخرة.

فأما حين تتوزع السلطة، وتتعدد مصادر التلقي.. حين تكون السلطة لله في الضمائر والشعائر بينما السلطات لغيره في الأنظمة والشرائع..، وحين تكون السلطة لله في جزاء الآخرة بينما السلطة لغيره في عقوبات الدنيا..، حينئذ تتمزق النفس البشرية بين سلطتين مختلفتين، وبين اتجاهين مختلفين، وبين منهجين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015