وكذلك القلوب تخالطها الشهوات والشبهات، ثم تذهب جفاءً، ويستقر فيها الإيمان والقرآن الذي ينفع صاحبه والناس، وقال: (وممَّا يوقدون عليه في النَّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب الله الحقَّ والباطل) [الرعد: 17] . فهذا المثل الآخر وهو الناري، فالأول للحياة، والثاني للضياء.

وبين رحمه الله أن لهذين المثالين نظيراً " وهما المثالان المذكوران في سورة البقرة في قوله تعالى: (مثلهم كمثل الَّذي استوقد ناراً فلمَّا أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون - صمُّ بكم عميٌ فهم لا يرجعون - أو كصيبٍ من السَّماء فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصَّواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين) [البقرة: 17-19] .

وبعد أن بيَّن الشيخ رحمه الله وصف المؤمن، بين وصف الكافر، فقال: " وأمّا الكافر ففي ظلمات الكفر والشرك غير حيّ، وإن كانت حياته حياة بهيمية، فهو عادم الحياة الروحانية العلوية التي سببها الإيمان، وبها حصل للعبد السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، فإنّ الله - سبحانه - جعل الرسل وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، وبعثوا جميعاً بالدعوة إلى الله وتعريف الطريق الموصل إليه، وبيان حالهم بعد الوصول إليه ".

ثم بيّن رحمه الله هذه الأصول التي أشار إليها هنا فقال: " فالأصل الأول يتضمن إثبات الصفات والتوحيد والقدر، وذكر أيام الله في أوليائه وأعدائه، وهي القصص التي قصّها الله على عباده والأمثال التي ضربها لهم.

والأصل الثاني يتضمن تفصيل الشرائع والأمر والنهي والإباحة، وبيان ما يحبه الله وما يكرهه. والأصل الثالث يتضمن الإيمان باليوم الآخر، والجنّة والنار والثواب والعقاب ".

ثم بيّن أنَّ " على هذه الأصول الثلاثة مدار الخلق والأمر، والسعادة والفلاح موقوفة عليها، ولا سبيل إلى معرفتها إلاّ من جهة الرسل، فإنَّ العقل لا يهتدي إلى تفاصيلها ومعرفة حقائقها، وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015