فقلت له: قال الله: {ولا تقتلوا الصيدَ وأنتم حُرُم، ومَن قَتَلَه منكم متعمداً، فَجَزاءٌ مثلُ ما قَتَل من النَّعَم، يحكمُ به ذَوَا عَدْلٍ منكم، هَدْياً بالغَ الكعبةِ} [المائدة 95]
فأمرهم بالمِثل، وجعل المثل الى عدلين يحكمان فيه، فلما حُرِّم مأكولُ الصيد عامّاً كانت لِدَوَابِّ الصيد أمثالٌ على الأبدان.
فحَكَمَ مَن حَكَمَ من أصحاب رسول الله على ذلك، -[491]- فقضى في الضَّبُع بكَبْشٍ، وفي الغزال بعَنْز، وفي الأرنب بعَنَاق، وفي اليَربوع بجَفْرَةٍ. (?)
والعلم يحيط أنهم أرادوا في هذا المثلَ بالبدن، لا بالقِيَم، ولو حكموا على القيم اختلفت أحكامهم لاختلاف أثمان الصيد في البلدان وفي الأزمان، وأحكامُهم فيها واحدة.
والعلم يحيط أن اليربوع ليس مثل الجَفرة في البدن، ولكنها كانت أقربَ الأشياء منه شَبَهَاً، فجُعلت مثله، وهذا من القياس يَتَقَارب تقاربَ العنز والظَّبي، ويَبعد قليلاً بُعْد الجفرة من اليربوع.
ولما كان المثل في الأبدان في الدوابِّ من الصيد دون الطائر: لم يَجُز فيه إلا ما قال عمر - والله أعلم - من أن يُنظر الى المقتول من الصيد، فيُجزى بأقرب الأشياء به شَبَهَاً منه في البدن، -[492]- فإذا فات منها شيئاً (?) رُفِع إلى أقرب الأشياء به شَبَهَاً، كما فاتت الضَّبُع العنز، فرُفِعت الى الكبش، وصَغُرَ اليربوع عن العَنَاق فخُفِضَ الى الجَفْرة.
وكان طائر الصيد لا مثل له في النَّعَم لاختلاف خِلقته وخلقته، فجُزِي خبراً وقياساً (?) على ما كان ممنوعاً لإنسان فأتلفه إنسان، فعليه قيمته لمالكه.
قال "الشافعي": فالحكم فيه بالقيمة يجتمع في أنه يُقَوَّم قيمةَ يومه وبلده، ويختلف في الأزمان والبلدان، حتى يكون الطائر ببلد ثمنَ درهمٍ، وفي البلد الآخر ثمنَ بعضِ ردهم.