فإن قال قائل وما في هذا الحديث من الدلالة على ما وصفت؟

قيل: قد أحاط العلم أن النبي لا يأمر أحداً بحال أبداً أن يكذب على بني إسرائيل، ولا على غيرهم، فإذ أباح الحديث -[399]- عن بني إسرائيل أن يقبلوا الكذب على بني إسرائيل أباح، وإنما أباح قبول ذلك عن من حدَّث به ممن يُجهل صدقه وكذبه.

ولم يُبِحْه أيضاً عن من يُعرف كذبه لأنه يُروى عنه أنه "مَن حدَّث بحديث، وهو يُرَاه كذباً فهو أحد الكاذِبَين " (1) ومَن حدَّث عن كذاب لم يبرأ من الكذب؛ لأنه يرى الكذاب في حديثه كاذباً

ولا يُستدل على أكثرِ صدق الحديث وكذبه إلا بصدق اُلمخبِر وكذبه، إلا في الخاصِّ القليل من الحديث، وذلك أن يُستدل على الصدق والكذب فيه بأن يُحَدِّث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أَثبتُ وأكثرُ دلالاتٍ بالصدق منه.

-[400]- وإذ فرق رسول الله بين الحديث عنه، والحديث عن بني إسرائيل فقال: "حدثوا عني ولا تكذبوا علي ": فالعلم - إن شاء الله - يحيط أن الكذب الذي نهاهم عنه هو الكذب الخفي. وذلك الحديث عمن لا يُعرف صدقه؛ لأن الكذب إذا كان منهياً عنه على كل حال، فلا كذب أعظم من كذبٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015