فقال لي قائل: احْدُدْ لي أقلَّ ما تقوم به الحجة على أهل العلم، حتى يَثْبَتَ عليهم خبرُ الخاصَّة.

فقلت: خبرُ الواحد عن الواحد حتى يُنْتَهَى به إلى -[370]- النبي أو مَنْ انتهى به إليه دونه.

ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يَجْمَعَ أُموراً:

- منها أن يكون مَنْ حدَّثَ به ثِقَةً في دينه، معروفاً بالصِّدق في حديثه، عاقِلاَ لِمَا يُحَدِّثُ به، عالمِاً بما يُحيل مَعَانِيَ الحديث مِنَ اللفظ، وأن يكون ممن يُؤَدِّي الحديث بحروفه كما سَمِعَ، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدَّث على المعنى وهو غيرُ -[371]- عالمٍ بما يُحِيلُ به معناه: لم يَدْرِ لَعَلَّهُ يُحِيل الحَلاَلَ إلى الحرام، وإذا أدَّاه بحروفه فلم يَبْقَ وجهٌ يُخاف فيه إحالتُهُ الحديثَ، حافظاً إن حدَّث به مِنْ حِفْظِه، حافظاً لكتابه إن حدَّث مِنْ كتابه. إذا شَرِكَ أهلَ الحفظ في حديث وافَقَ حديثَهم، بَرِيًّا مِنْ أنْ يكونَ مُدَلِّساً، يُحَدِّثُ عَن من لقي ما لم يسمعْ منه، ويحدِّثَ عن النبي ما يحدث الثقات خلافَه عن النبي.

ويكونُ هكذا مَنْ فوقَه ممَّن حدَّثه، حتى يُنْتَهَى بالحديث مَوْصُولاً إلى النبي أو إلى مَنْ انْتُهِيَ به إليه دونه، لأنَّ كلَّ -[372]- واحد منهم مثْبِتٌ لمن حدَّثه، ومثبت على من حدَّث عنه، فلا يُسْتَغْنَى في كل واحد منهم عمَّا وصفْتُ.

فقال: فأوْضِحْ لي مِن هذا بشيء لعَلِّي أكونُ به أعرَفَ مِنِّي بهذا، لِخِبْرَتي به وقِلَّة خبْرَتي بما وصفْتَ في الحديث؟

فقلت له: أتريد أن أخبرك بشيء يكون هذا قياساً عليه؟

قال: نعم.

قلت: هذا أصلٌ في نفْسِهِ، فلا يكون قياساً على غيره، لأن القياس أضْعَفُ مِن الأصْل.

قال: فلسْتُ أريد أن تجعله قياساً، ولكنْ مَثِّلْه لي على شيء من الشهادات، التي العِلْم بها عامٌّ.

قلت: قد يخالف الشهاداتِ في أشْياءَ، ويُجَامِعُها في غيرها.

-[373]- قال: وأيْن يُخالِفها؟

قلت: أقْبَلُ في الحديث الواحدَ وَالمَرْأَةَ، ولا أقْبل واحِداً منهما وحْدَه في الشهادة.

وأقبلُ في الحديث: (حدَّثَنِي فُلانٌ عَنْ فُلاَنٍ) ، إذا لم يكن مُدَلِّسًا، ولا أقبل في الشهادة إلا: (سَمِعْتُ) أو (رَأيْتُ) أو (أَشْهَدَنِي) .

وتختلف الأحاديث، فآخُذُ بِبَعْضها، استدلالاً بكتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، وهذا لا يُؤْخَذُ به في الشهادات هكذا، ولا يُوجد فيها بحال.

ثم يكون بشرٌ كلُّهم تجوز شهادتُه ولا أقْبَلُ حديثَه، مِنْ قِبَلِ ما يَدْخُلُ في الحديث مِنْ كثْرة الإحالة، وإزالة بعض ألفاظ المعاني.

ثم هو يُجَامِعُ الشهاداتِ في أشياءَ غيْرِ ما وصفْتُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015