قال "الشافعي": فلما حَدَّثَتْ عائشةُ عَن النبي بالنهي عَنْ إمْساك لُحوم الضحايا بعد ثلاثٍ، ثم بالرخصة فيها بعد النهي، وأنَّ رسولَ الله أخْبَرَ أنَّه نهى عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث للدَّافَّة: كان الحديث التَّام المحفوظ أوَّلُه وآخِرُه وسَبَبُ التحريم والإحلال فيه: حديثُ عائشة عن النبي، وكان على مَنْ عَلِمَهُ أنْ يصيرَ إليه.

وحديثُ عائشة مِنْ أبْيَنِ ما يوجَدُ في الناسخ والمنسوخ مِن السُّنَنِ.

وهذا يَدل على أنَّ بعض الحديث يُخَصُّ، فيُحْفظ بعضُه دون بعض، فيُحفظ منه شيء كان أوَّلاً ولا يُحفظ آخِرًا، ويُحْفظ أخِراً ولا يُحفظ أوَّلاً، فيُؤَدِّي كلٌّ ما حَفِظَ.

فالرخصةُ بعْدَها في الإمساك والأكْل والصدقة مِن لحوم الضحايا إنما هي لواحدٍ من مَعْنَيَيْنِ، لِاخْتِلَاف الحالَيْن:

فإذا دَفَّت الدَّافَّةُ ثَبَتَ النهيُ عَن إمْساك لحوم الضحايا بعد ثلاثٍ، وإذا لم تَدِفَّ دافَّة فالرخصةُ ثابِتة بالأكْل والتَّزَوُّدِ والادِّخارِ والصَّدَقَةِ.

-[240]- ويُحتمل أنْ يكونَ النهي عَن إمْساك لحوم الضَّحايا بَعْد ثلاث منسوخاً في كلِّ حالٍ، فيُمْسك الإنسان مِن ضحيَّتِه ما شاء، ويتَصَدَّق بما شَاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015