وفَرَضَ اللهُ الحجَّ على من يَجد السبيلَ، فَذُكِر عن النبي: أن السبيلَ الزَّادُ والمَرْكَب، وأخْبَرَ رسولُ الله بمَواقيتِ الحج وكيف التَّلْبِيَةُ فيه، وما سَنَّ، وما يَتَّقِي المُحرمُ مِن لُبْسِ الثِّياب والطِّيب، وأعمالِ الحج سِواها، مِن عرفةَ والمزدلفةِ والرَّميِ والحِلاَقِ والطواف، وما سِوى ذلك.
فلو أن امْرَأً لم يعْلم لرسول الله سنةً مع كتاب الله إلا ما وصَفْنا، مما سن رسول الله فيه معنى ما أنْزله الله جُمْلةً، وأنه إنما -[198]- اسْتدرك ما وصفْتُ من فَرْض الله الأعمالَ، وما يُحَرِّم وما يُحِلُّ، ويُدْخَلُ به فيه ويُخْرَجُ منه، ومواقِيتِه، وما سَكَتَ عنه سِوى ذلك من أعماله: قامَتْ الحجَّة عليه بأن سنة رسول الله إذا قامت هذا المقام مع فرضِ الله في كتابه مرَّةً أو أكثرَ، قامتْ كذلك أبداً.
واستُدِلَّ أنه لا تُخالِف له سنة أبداً كتابَ الله، وأن سنَّتَه، وإنْ لم يكن فيها نصُّ كتاب: لازِمةٌ، بما وصفتُ من هذا، مع ما ذكرتُ سِواه، مما فَرَضَ اللهُ مِن طاعة رسولِهِ.
ووَجَبَ عليه أن يَعْلَمَ أن اللهَ لم يجْعل هذا لخلقٍ غيرِ رسولِه.
وأن يجعل قولَ كلِّ أحدٍ وفعْلَه أبَداً تَبعاً لِكِتاب الله ثم سنةِ رسوله.
وأن يَعْلمَ أنَّ عالِمًا إن رُوِيَ عنه قولٌ يُخالِف فيه شيْئًا -[199]- سنَّ فيه رسولُ الله سنةً، لوْ عَلِمَ سنةَ رسولِ الله لمْ يُخالِفْها، وانْتَقَلَ عَنْ قَوْلِهِ إلى سنَّةِ النبي - إنْ شاءَ الله - وإنْ لم يَفْعل كان غيْرَ مُوَسَّعٍ له.
فكيف والحُجَجُ في مثل هذا لِلَّهِ قائمَةٌ على خَلْقِه، بما افْتَرَضَ مِن طاعة النبي، وأبانَ مِنْ مَوْضِعِه الذي وَضَعَهُ به مِن وحْيِه ودِينِه وأهْلِ دِينِه.