قال الله: " وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ (43) " [البقرة] ، -[187]- وقال: " وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ (162) " [النساء] ، وقال: " فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (?) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (?) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (?) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) " [الماعون] .
فقال بعضُ أهل العلم: هي الزكاةُ المفْروضة.
قال الله: " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ؛ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) " [التوبة] .
فكان مَخْرَجُ الآية عاماً على الأمْوال، وكان يحتمل أن تكون على بعض الأموال دون بعض، فدلتْ السنة على أن الزكاة في بعض الأموال دون بعض.
فلما كان المال أصنافاً، منه الماشِيَةُ، فأخَذَ رسولُ الله -[188]- مِن الإبل والغَنَم، وأمَر - فيما بَلَغنَا - بالأخْذ من البقر خاصة، دون الماشية سِواها، ثم أخَذ منها بِعَدَدٍ مُخْتلف، كما قَضَى اللهُ على لسان نبيه، وكان للناس ماشيةٌ مِن خَيْل وحُمُر وبِغَال وغيرها، فلَمَّا لم يأخذْ رسولُ الله مِنها شيئاً، وسَنَّ أنْ ليس في الخيل صدقةٌ: استدللنا على أن الصدقة فيما أَخَذَ مِنه وأمر بالأخذ منه، دون غيره.
وكان للناس زَرْع وغِراس، فأخَذَ رسولُ الله من النَّخْل والعِنَب الزكاةَ بِخَرْصٍ (?) غيرُ مختلفٍ ما أَخَذَ منهما، -[189]- وأخَذَ منهما مَعًا العُشْرَ إذا سُقِيَا بِسَماء أو عَيْنٍ، ونصْفَ العُشر إذا سُقِيَا بِغَرْبٍ (?) .
وقد أخَذَ بعضُ أهل العلم مِن الزيتون، قياساً على النخل والعنب.
ولم يَزَلْ للناس غِراسٌ غيرُ النخل والعنب والزيتون كثيرٌ، مِن الجَوْز واللَّوْز والتين وغيره، فلما لم يأخذ رسول الله منه شيئاً، ولم يأمر بالأخذ منه، استدللنا على أن فرْضَ الله الصدقةَ فيما كان مِن غِراس: في بعضِ الغِرَاس دون بعضٍ.
وَزَرَعَ الناسُ الحِنْطَةَ والشعير والذُّرةَ، وأصْنافاً سِواها، فَحَفِظْنا عَن رسول الله الأخْذَ مِن الحِنطة والشعير والذُّرة، وأَخَذَ مَن قَبْلَنَا مِن الدُّخْنِ والسُّلْت -[190]- والعَلَس والأُرْزِ (?) وكُلِّ ما نَبَّتَهُ (?) الناسُ وَجَعَلُوهُ قُوتًا، خُبْزًا وعَصِيدَةً وسَوِيقًا وأُدْمًا، مثل الحِمَّصِ والقَطَاني (?) ، -[191]- فهي تصلح خبزاً وسويقاً وأدماً، اتِّباعاً لِمَنْ مَضَى، وقياساً على ما ثَبَتَ أنَّ رسول الله أَخَذَ مِنه الصدقةَ، وكان في معنى ما أخذ النبيُّ، لأن الناس نَبَّتُوه لِيَقْتَاتُوه.
وكان للناس نَبَاتٌ غيرُه، فلم يأخذ منه رسولُ الله، ولا مَنْ بَعْدَ رسولِ الله عَلِمْناه، ولم يكن في معنى ما أَخَذَ منه، وذلك مثل الثُّفَّاءِ -[191]- والأَسْبيوش والكُسْبرة وحَبِّ العُصْفُر (?) ، وما أشبهه، فلم تكن فيه زكاة: فدلَّ ذلك على أن الزكاة في بعض الزَّرْعِ دون بعض.