إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَبْدَ قَالَ لِجِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ , ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَبَّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَبْدَ.
قَالَ مَالِك: لا أحسبه إلا قَالَ فِي البغض مثل ذَلِكَ
قَالَ الأستاذ: المحبة حالة شريفة , شهد الحق سبحانه بِهَا للعبد , وأخبر عَن محبته لعبد فالحق سبحانه يوصف بأنه يحب العبد , والعبد يوصف بأنه يحب الحق سبحانه , والمحبة عَلَى لسان الْعُلَمَاء هِيَ الإرادة , وليس مراد الْقَوْم بالمحبة الإرادة , فَإِن الإرادة لا تتعلق بالقديم , اللَّهُمَّ إلا أَن تحمل عَلَى إرادة التقرب إِلَيْهِ , والتعظيم لَهُ.
نحن نذكر من تحقيق هذه المسألة طرفا إِن شاء اللَّه تَعَالَى: فمحبة الحق سبحانه للعبد إرادته لإنعام مخصوص عَلَيْهِ , كَمَا أَن رحمته لَهُ إرادة الإنعام , فالرحمة خاص من الإرادة , والمحبة أخص من الرحمة , فإرادة اللَّه تَعَالَى لأن يوصل إِلَى العبد الثواب والإنعام تسمى رحمة وإرادته , لأن يخصه بالقربة والأحوال العلية تسمى محبة، فإرادته سبحانه صفة واحدة , فبحسب تفاوت متعلقاتها تختلف أسماؤها، فَإِذَا تعلقت بالعقوبة تسمى غضبا، وإذا تعلقت بعموم النعم تسمى رحمة، وإذا تعلقت بخصوصها تسمى محبة.
وقوم قَالُوا: محبة الحق سبحانه للعبد مدحه لَهُ , وثناؤه عَلَيْهِ بالجميل , فيعود معنى محبته لَهُ عَلَى هَذَا القول إِلَى كلامه , وكلامه قديم.
وَقَالَ قوم: محبته للعبد من صفات فعله , فَهُوَ إحسان مخصوص يلقى اللَّه العبد بِهِ , وحالة مخصوصة يرقيه إِلَيْهَا , كَمَا قَالَ بَعْضهم: إِن رحمته بالعبد نعمته مَعَهُ.
وقوم من السلف قَالُوا: محبته من الصفات الخبرية , فأطلقوا اللفظ , وتوقفوا عَنِ التفسير , فأما مَا عدا هذه الجملة مِمَّا هُوَ فِي المعقول من صفات محبة الخلق , كالميل إِلَى الشيء , والاستئناس بالشيء , وكحالة يجدها المحب مَعَ محبوبه من المخلوقين , فالقديم سبحانه يتعالى عَن ذَلِكَ.
وَأَمَّا محبة العبد لِلَّهِ تَعَالَى , فحالة يجدها من قلبه تلطف عَنِ العبارة ,