وَقَالَ ذو النون المصري: إِذَا خرج المريد عَنِ استعمال الأدب فَإِنَّهُ يرجع من حيث جاء.

سمعت الأستاذ أبا عَلِيّ يَقُول فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] قَالَ: لَمْ يقل: ارحمني لأنه حفظ آداب الْخَطَّاب وَكَذَلِكَ عيسى عَلَيْهِ السَّلام حيث قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] وَقَالَ: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116] وَلَمْ يقل لَمْ أقل رعاية لآداب الحضرة.

سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الصوفي يَقُول: سمعت أبا الطيب بْن الفرحان يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول جاءني بَعْض الصالحين يَوْم الجمعة فَقَالَ لي: ابعث معي فقيرا يدخل عَلَى سرورا ويأكل معى شَيْئًا فالتفت فَإِذَا أنا بفقير شهدت فِيهِ الفاقة فدعوته وقلت لَهُ: امض مَعَ هَذَا الشيخ وأدخل عَلَيْهِ سرورا فمضى فلم ألبث أَن جاءني الرجل وَقَالَ لي: يا أبا القاسم لَمْ يأكل ذَلِكَ الرجل إلا لقمة وخرج فَقُلْتُ: لعلك قُلْت: كلمة جفاء عَلَيْهِ فَقَالَ لي: لَمْ أقل لَهُ شَيْئًا فالتفت فَإِذَا أنا بالفقير جالس فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تتم عَلَيْهِ السرور فَقَالَ: يا سيدي خرجت من الكوفة وقدمت بغداد وَلَمْ آكل شَيْئًا وكرهت أَن يبدو سوء أدب منى من جهة الفاقة فِي حضرتك فلما دعوتني سررت إذ جرى ذَلِكَ ابتداء منك فمضيت وأنا لا أرضى لَهُ الجنان فلما جلست عَلَى مائدته سِوَى لقمة وَقَالَ كُل فهذا أحب إِلَي من عشرة آلاف درهم لما سمعت هَذَا منه علمت أَنَّهُ دنيء الهمة فتظرفت أَن آكل طعامه فَقَالَ الجنيد: ألم أقل لَك إنك أسأت أدبك مَعَهُ فَقَالَ: يا أبا القاسم التوبة فسأله أَن يمضي مَعَهُ ويفرحه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015