وَأَمَّا أهل الدين فأكثر آدابهم فِي رياضة النفوس , وتأديب الجوارح , وحفظ الحدود , وترك الشهوات , وَأَمَّا أهل الخصوصية فأكثر آدابهم فِي طهارة القلوب ومراعاة الأسرار والوفاء بالعهود وحفظ الوقت وقلة الالتفات إِلَى الخواطر وحسن الأدب فِي مواقف الطلب وأوقات الحضور ومقامات القرب.

وحكى عَن سهل بْن عَبْد اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: من قهر نَفْسه بالأدب فَهُوَ يعبد اللَّه تَعَالَى بالإخلاص وقيل: كمال الأدب لا يصفو إلا للأنبياء عَلَيْهِم السَّلام والصديقين وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَكِ قَدْ أَكْثَر النَّاس فِي الأدب ونحن نقول: هُوَ معرفة النفس وَقَالَ الشبلي: الانبساط بالقول مَعَ الحق سبحانه ترك الأدب وَقَالَ ذو النون المصري: أدب العارف فَوْقَ كُل أدب، لأن معرفة مؤدب قلبه وَقَالَ بَعْضهم: يَقُول الحق سبحانه: من ألزمته القيام مَعَ أسمائي وصفاتي ألزمته الأدب ومن كشفت لَهُ عَن حقيقة ذاتي ألزمته العطب فاختر أيهما شئت الأدب أَوِ العطب.

وقيل: مد ابْن عَطَاء رجله يوما بَيْنَ أَصْحَابه وَقَالَ: ترك الأدب بَيْنَ أهل الأدب أدب ويشهد لهذه الحكاية الْخَبَر الَّذِي رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عنده أَبُو بَكْر وعمر فدخل عُثْمَان فغطى فخذه وَقَالَ: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة نبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن حشمة عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وإن عظمت عنده فالحالة الَّتِي بينه وبين أَبِي بَكْر وعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كانت أصفى، وَفِي قريب من معناه أنشدوا:

فِي انقباض وحشمة فَإِذَا ... صادفت أهل الوفاء والكرم

أرسلت لنفسي عَلَى سجيتها ... وقلت مَا قُلْت غَيْر محتشم

وَقَالَ الجنيد إِذَا صحت المحبة سقطت شروط الأدب وَقَالَ أَبُو عُثْمَان: إِذَا صحت المحبة تأكدت عَلَى المحب ملازمة الأدب وَقَالَ النوري: من لَمْ يتأدب للوقت فوقته مقت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015