سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أبا الْعَبَّاس البغدادي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سهل يَقُول: سمعت سَعِيد بْن عُثْمَان يَقُول: سمعت ذا النون الْمِصْرِي يَقُول: ثلاثة من أعلام اليقين: قلة مخالطة النَّاس فِي العشرة، وترك المدح لَهُمْ فِي العطية، والتنزه عَن ذمهم عِنْدَ المنع.
وثلاثة من أعلام يقين اليقين: النظر إلى الله تَعَالَى فِي كُل شَيْء، والرجوع إِلَيْهِ فِي كُل أمره، والاستعانة بِهِ فِي كُل حال.
وَقَالَ الجنيد: اليقين هُوَ استقرار العلم الَّذِي لا ينقلب ولا يحول ولا يتغير فِي القلب.
وَقَالَ ابْن عَطَاء: عَلَى قدر قربهم من التقوى أدركوا مَا أدركوا من اليقين.
وأصل التقوى مباينة النهي، ومباينة النهى مباينة النفس، فعلى قدر مفارقتهم النفس وصلوا إِلَى اليقين، وَقَالَ بَعْضهم: اليقين هُوَ المكاشفة، والمكاشفة عَلَى ثلاثة أوجه: مكاشفة بالإخبار ومكاشفة بإظهار القدرة، ومكاشفة القلوب بحقائق الإيمان.
واعلم أَن المكاشفة فِي كلامهم عبارة عَن ظهور الشيء للقلب باستيلاء ذكره من غَيْر بقاء للريب، وربما أرادوا بالمكاشفة مَا يقرب مِمَّا يراه الرائي بَيْنَ اليقظة والنوم , وكثيرا مَا يعبر هَؤُلاءِ عَن هذه الحالة بالثبات , سمعت الإِمَام أبا بَكْر بْن فورك يَقُول سألت أبا عُثْمَان المغربي، فَقُلْتُ مَا هَذَا الَّذِي تقول؟ قَالَ الأشخاص أراهم كَذَا وكذا، فَقُلْتُ تراهم معاينة أَوْ مكاشفة؟ قَالَ: مكاشفة وَقَالَ عامر بْن عَبْد قَيْس: لو كشف الغطاء مَا ازددت يقينا، وقيل: اليقين رؤية العيان بقوة الإيمان، وقيل: اليقين زوال المعارضات.
وَقَالَ الجنيد: اليقين ارتفاع الريب فِي مشهد الغيب.
سمعت الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول فِي قَوْل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عيسى بْن مريم عَلَيْهِ السَّلام لو ازداد يقينا لمشى فِي الهواء قَالَ رحمه اللَّه تَعَالَى: إنه أشار بِهَذَا إِلَى حال نَفْسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة المعراج، لأن فِي لطائف المعراج أَنَّهُ قَالَ: رأيت البراق قَدْ بقى ومشيت.