هجران إخوان السوء فإنهم هُم الَّذِينَ يحملون عَلَى رد هَذَا القصد ويشوشون عَلَيْهِ صحة هَذَا العزم ولا يتم ذَلِكَ إلا بالمواظبة عَلَى المشاهدة الَّتِي تزيد رغبته فِي

التوبة وتوفر دواعيه عَلَى إتمام مَا عزم عَلَيْهِ مِمَّا يقوي خوفه ورجاءه فعند ذَلِكَ تنحل من قلبه عقدة الإصرار عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ من قبيح الأفعال فيقف عَن تعاطي المحظورات ويكبح لجام نَفْسه عَن متابعة الشهوات فيفارق الزلة فِي الحال ويبرم العزيمة عَلَى أَن لا يعود إِلَى مثلها فِي الاستقبال فَإِن مضى عَلَى موجب قصده ونفذ بمقتضى عزمه فَهُوَ الموافق صدقا وإن نقض التوبة مرة أَوْ مرات وتحمل إرادته عَلَى تجديدها فَقَدْ يَكُون مثل هَذَا أَيْضًا كثيرا فلا ينبغي قطع الرجاء عَن توبة أمثال هَؤُلاءِ فَإِن لكل أجل كتابا.

حكي عَن أَبِي سُلَيْمَان الدراني أَنَّهُ قَالَ: اختلفت إِلَى مجلس قاص فاثر كلامه فِي قلبي فلما قمت لَمْ يبق فِي قلبي منه شَيْء فعدت ثانيا فسمعت كلامه فبقي كلامه فِي قلبي فِي الطريق ثُمَّ زال ثُمَّ عدت ثالثا فبقي أثر كلامه فِي قلبي حَتَّى رجعت إِلَى منزلي فكسرت آلات المخالفات ولزمت الطريق فحكي هذه الحكاية ليحيى بْن معاذ فَقَالَ: عصفور اصطاد كركيا أراد بالعصفور ذَلِكَ القاص وبالكركي أبا سُلَيْمَان الدارني.

ويحكى عَن أَبِي حفص الحداد أَنَّهُ قَالَ: تركت العمل كَذَا وكذا مرة فعدت إِلَيْهِ ثُمَّ تركني العمل فلم أعد بَعْد إِلَيْهِ.

وقيل: إِن أبا عَمْرو بْن نجيد فِي ابتداء أمره اختلف إِلَى مجلس أَبِي عُثْمَان فأثر فِي قلبه كلامه فتاب ثُمَّ إنه وقعت لَهُ فترة فكان يهرب من أَبِي عُثْمَان إِذَا رآه ويتأخر عَن مجلسه فاستقبله أَبُو عُثْمَان يوما فحاد أَبُو عَمْرو عَن طريقه وسلك طريقا أُخْرَى فتبعه أَبُو عُثْمَان فَمَا زال يقفوا أثره حَتَّى لخفه فَقَالَ لَهُ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015