الرسائل للجاحظ (صفحة 314)

وتفهَّم أدخاله، لأنَّ أقل ما يُزيل عذره ويزيح علَّته، أنَّ قول خصمه قد استهدف لخصمه، وأصحر للسانه ومكَّنه من نفسه، وسلَّطه على إظهار عورته. فإذا استراح واضع الكتاب من شغب خصمه ومداراة جليسه، فلم يبق إلا أن يقوى على كسر الباطل أو يعجز عنه.

ومن شُكر المعرفة بمغاوي الناس ومراشدهم، ومضارِّهم ومنافعهم، أنْ تحتمل ثقل مؤونتهم في تعريفهم، وأن تتوخَّى إرشادهم، وإن جهلوا فضْل ما يُسدي إليهم.

ولم يُصنِ العلم بمثل بذله، ولم يُسْتبْق بمثل نشره. على أنَّ قراءة الكتب أبلغ في إرشادهم من تلاقيهم، إذْ كان مع التلاقي يكثر التَّظالم، وتُفرط النُّصرة، وتشتدُّ الحميَّة. وعند المواجهة يُفرط حبُّ الغلبة، وشهوة المباهاة والرِّياسة، مع الاستحياء من الرجوع، والأنفة من الخضوع. وعن جميع ذلك تحدث الضَّغائن، ويَظْهر التّباين. وإذا كانت القلوب على هذه الصِّفة وهذه الحلْية، امتنعت من المعرفة، وعميت عن الدَّلالة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015