عنده من الأمر شيء، إلا أن يأتيكم به، ويذكِّركم بما عنده، قلَّ ذلك أو كثر، وصادفمنكم شُغلاً أو فراغا، لأنَّ ذلك من عندكم أنفق، والناس إليه أسرع، والقلوب إليه أسكن، وهو في العيون أعظم، لما جعل الله عندكم من حُسن الاختيار، والعلم بمنافع العباد، ومصالح البلاد؛ إذْ كنتم المفْزع والمقنع، والأئمة والمنزع. ولولا ما قُلِّدتم من أمر الجماعة، والقيام بشأن الخاصّة والعامة، وأنَّ الشّغل برعاية حقِّها والدِّفاع عنها، لم يُبقِ في قُواكم فضلاً للدُّعاء والمنازعة، ولوضْع الكتب بالجواب والمسألة لبدأ بكم الفرْض، ولكنتم أحقَّ بهذا الأمر.
على أنَّنا لم ننطق إلاَّ بألسنتكم، ولم نحتذ إلا على مثالكم، ولم نقْوَ إلا بما أعرتمونا من فضْل قوَّتكم. وعلى الرُّواة من الأدباء، وعلى أهل اللَّسن من الخطباء، معاونتكم ومكاتفتكم، والجلوس بين أيديكم والاستماع منكم، وعلى أن يطيعوا أمركم، وأن ينفذوا لطاعتكم، وأن يخلصوا في الدُّعاء، وأن يمحضوا النصيحة، وأن يضمروا غاية المحبَّة، وأن يعملوا في كفّ الغلِّ والحسد، وأن لا يرضوا من أنفسهم بالنِّفاق، وأن يعلموا أنَّ الحسد لا يقع إلا بين الأشكال، وأنَّ التنافس لا يكون إلا مع تقارب الحال.
وقد كان يقال: لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا، فإذا تقاربوا هلكوا.
وكان يقال: ثلاثةٌ توجب الضِّغْن وتُكثر من الغِلّ: المجاورة في المنزل، والاستواء في النَّسب، والمشاكلة في الصِّناعة.
ولذلك قال شبيب بن شيبة لرجلٍ ادَّعى محبَّته ونصيحته: " وكيف