العتاقة؛ فإن عللهما خلاف علل مولى الكلالة، وخلاف علل الصديق الذي لم يزل يرى أنه مثلك، وأنه يستوجب منك استيجابك، ولا سيما إذا كانت الصنيعة أنت ابتدأتها، وأنت أبو عذرتها.
فإن أنت لم تحكم له بالغاية مع اجتماع هذه العلل فيه، ومع توافيها إليه، ولم تقضِ له بأقصى الغاية مع ترادف هذه الأسباب وتكامل هذه الدلائل، وتعاون هذه البرهانات، فكل خبرٍ بيَّنة زور، وكل دلالةٍ فاسدة. وقد قال الأول: " دلائل الأمور أشد تثبيتاً من شهادات الرجال ". إلا أن يكون في الخبر دليل، ومع الشهادة برهان؛ لأن الدليل لا يكذب ولا ينافق ولا يزيد ولا يبدِّل، وشهادة الإنسان لا تمتنع من ذلك، وليس معها أمانٌ من فسادٍ ما كان الإمكان قائماً.
وبعد متى صار اختيار النَّخل على الزرع يحقد الإخوان، ومتى صار تفضيل الحبّ وتقريظ الثمر يورث الهجران، ومتى تميزوا هذا التميُّز وتهالكوا هذا التهالك؟ ومتى صار تقديم النخلة ملة، وتفضيل السنبلة نخلة؟ ومتى صار الحكم للنعجة نسباً وللكرْمة صهراً، ومتى تكون فيها ديانة وتستحكم فيها بصيرة، ويحدث عنها حميَّة.