وملالة الصديق أفن، والعلم بأقدار الذنوب غامض، وحدود الذنوب في العقاب خفيّة. ولن يعرف العقاب من يجهل قدر الذّنب. والأجرام كثيرة الأشكال، ومتفاوتة في الأقدار. وإذا أردت أن تعرف مقدار الذنب إليك من مقدار عقابك عليه فانظر في علته وسببه، وإلى معدنه الذي منه نجم، وعشه الذي منه درج، ومغرسه الذي منه نبت، وإلى جهة صاحبه في التتايع والتترع، وفي النزوع والثبات، وإلى قحته عند التقريع، وإلى حيائه عند التعريض، وإلى فطنته عند الرشق والتورية؛ فإنّ فضل الفطنة ربما دلّ على فرط الاكتراث، وعلى قدر الاكتراث يكون الإقدام والإحجام. فكلُ ذنبٍ كان سببه الدالّة وضيق صدرٍ وغلظ طباعٍ وحدة مرارٍ، من جهة تأويل أو من جهة غلط في المقادير، أو من طريق فرط الأنفة وغلبة طباع الحميّة من بعض الجفوة أو لبعض الأثرة، أو من جهة استحقاقه عند نفسه وفيما زين له من عمله، وأنّه مقصّر به مؤخّر عن مرتبته، أو كان مبلّغاً عنه أو مكذوباً عليه، وكان ذلك جائزاً عليه غير ممتنع فيه