الرسائل للجاحظ (صفحة 1322)

فصل منه

وكان بعض الأشراف في زمان الأحنف، لا يحتقر أحداً، ولا يتحرك لزائر، وكان يقول: " ثهلان ذو الهضبات ما يتحلحل " فكان الأحنف ما يزداد إلا علواً، وكان ذلك الرجل لا يزداد إلا تسفلاً.

وقد ذم الله تعالى المتكبرين، ولعن المتجبرين، وأجمعت الأمة على عيبه، والبراءة منه، وحتى سمي المتكبر تائهاً، كالذي يختبط في التية بلا أمارة، ويتعسف الأرض بلا علامة.

ولعل قائلاً أن يقول: لو كان اسم المتكبر قبيحاً، ولو كان المتكبر مذموماً، لما وصف الله تعالى بهما نفسه، ولما نوه بهما في التنزيل حين قال: " الجبار المتكبر "، ثم قال: " له الأسماء الحسنى ".

قلنا لهم: إن الإنسان المخلوق المسخر، والضعيف الميسر، لا يليق به إلا التذلل، ولا يجوز له إلا التواضع.

وكيف يليق الكبر بمن إن جاع صرع، وإن شبع طغى، وما يشبه الكبر بمن يأكل ويشرب، ويبول وينجو. وكيف يستحق الكبر ويستوجب العظمة من ينقصه النصب، ويفسده الراحة؟.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015