أني رأيت أكثر ما رسموا من ذلك فروعاً لم يبينوا عللها، وصفات حسنة لم يكشفوا أسبابها، وأموراً محمودة لم يدلوا على أصولها.
فإن كان ما فعلوا من ذلك روايات رووها عن أسلافهم، ووراثات ورثوها عن أكابرهم فقد قاموا بأداء الأمانة، ولم يبلغوا فضيلة من طب لمن استطب، وإن كانوا تركوا الدلالة على علل الأمور، التي بمعرفة عللها يوصل إلى مباشرة اليقين فيها، وينتهى إلى غاية الاستبصار منها، فلم يعدوا في ذلك منزلة الظن بها.
ولم تجد وصايا أنبياء الله تعالى أبداً إلا مبينة بالأسباب، مكشوفة العلل، مضروبة معها الأمثال.
فصل منه
ولن أدع من تلك المواضع الخفية موضعاً إلا أقمت لك بها بإزاء كل شبهة منه دليلاً، ومع كل خفي من الحق حجة ظاهرة، تستنبط بها غوامض البرهان، وتستثير بها دفائن الصواب، وتستشف بها سرائر القلوب، فتأتي بما تأتي عن بينة، وتدع ما تدع