الكذب فإنه جماع كل شر. وقد قالوا: لم يكذب أحدٌ قطُّ إلا لصغر قدر نفسه عنده.
والغضب فإنه لؤمٌ وسوءُ مقدرة؛ وذاك أن الغضب ثمرةٌ لخلاف ما تهوى النفس، فإن جاء الإنسان خلاف ما يهوى ممن فوقه أغضى وسمى ذلك حزناً، وإن جاءه ذلك ممن دونه حمله لؤم النفس وسوء الطباع على الاستطالة بالغضب، والمقدرة والبسطة على البطش.
والجزع عند المصيبة التي لا ارتجاع لها؛ فإنهم لم يجعلوا لصاحب الجزع في مثل هذا عذراً، لما يتعجل من غم الجزع مع علمه بفوت المجزوع عليه. وزعموا أن ذلك من إفراط الشره، وأن أصل الشره والحسد واحدٌ وإن افترق فرعاهما.
وذموا الحسد كذمهم الجزع، لما يتعجل صاحبه من ثقل الاغتمام، وكلفة مقاساة الاهتمام، من غير أن يجدي عليه شيئاً. فالحسد اغتمام، والغدر لؤم. وقال بعض الحكماء: " الحسد خلقٌ دنيء، ومن دناءته أنه يبدأ بالأقرب فالأقرب ". وزعموا أنه لم يغدر غادرٌ قط إلا لصغر همته عن الوفاء، وخمول قدره عن احتمال المكاره في جنب نيل المكارم.